قانون التصالح… ما بين ضمير مخطط واحتياجات مواطن

وجهات نظر , Comments Disabled

تعاني جمهورية مصر العربية من افتقادها للتوازن ما بين المعمور واللامعمور وذلك نتيجة ارتباط السكان في مصر بالودي وفشل كل المحاولات التي قامت بها الحكومات المتعاقبة في إخراجهم من الوادي إلى الصحراء أو المدن الجديدة.

ومع بداية نشأة فكرة المدن الحديثة  رسخت بعض المفاهيم الخاطئة في تخطيط  تلك المدن مثل وجوب أن تفصل تلك المدن عن العمران القائم وبالتالي أدى ذلك إلى هجرتها وعدم ارتباط الناس بها لأنها ألغت الروابط الاجتماعية وترابط المجتمع خاصة في القرى بالدلتا والصعيد حيث تشكل  تلك الروابط أهمية كبري  – ترابط الابن مع أبيه وأمه وأرضه إرث لا يمكن فصله بسهوله – في المجتمعات الريفية , في حين أن كل الابجديات الحديثة اثبتت ان ربط التجمعات الجديدة بالقديمة بشبكة طرق قوية ووسائل نقل ملائمة هي المفتاح الحقيقي لنجاح هذه التجمعات

 وتعليقاً على قانون التصالح في مخالفات البناء رقم (17/2017) فإن القانون في حد ذاته كفكرة هي من أهم المتطلبات التنموية والتخطيطية الملائمة التي ستضع حداً فاصلاً للعشوائيات والتعدي على الرقعة الزراعية والتي تعاني بشدة من التآكل، لكن تنفيذ القانون والبدء في العمل به هو ما يشوبه بعض القصور حيث:

  • افتقد القانون في بداية صدوره إلى الآلة الإعلامية المميزة التي تمكن المواطن من التعرف عليه او حتى العلم به.
  • في ظل فساد المحليات المعروف وثقافة الشعب عن أن كل شيء يمر خلال تلك المحليات كان يجب إظهار وتوضيح الأمر للمواطن أن هذا القانون لن يكون حبر على ورق مثل سابقيه بل سيتم تنفيذه بشكل حازم.
  • القانون لا يطبق بأثر رجعي.
  • الأولى محاسبة الجهات المسؤولة بالإدارة المحلية عن حجم المخالفات التي تمت دون ردع أو محاسبة للمسؤولين عنها.
  • إيجاد الحلول الفنية الملائمة لكل مشاكل الإسكان للمواطنين قبل إلزامهم بعدم البناء سواء داخل الحيز أو خارجه.

ذلك ما أدى إلى هذا الرفض للقانون والضرر البالغ الذي سيقع على عاتق المواطنين خاصة محدودي الدخل والشباب ممن ضحوا بسنين من أعمارهم في سبيل الحصول على وحدة سكنية أو بناء منزل يستره هو واسرته.  

والدفع بأن الدولة تبنى مساكن في المدن الجديدة لا يغني عن حاجة المواطن إلى الإسكان خارج المدن الجديدة خاصة في القرى والعزب فهناك من ترتبط حياتهم المعيشية وظروفهم الاجتماعية وعملهم بالقرى والعزب القاطنين بها، كما ان نمط إسكان الريف يختلف تماما عن نمط الإسكان بالمدن ولا يتشابه أي منهم بالأخر وبالتالي لا يمكن اجبار شباب القري والعزب على السكن في المدن حيث ترتبط ثقافتهم المعيشية والحياتية واعمالهم بالقري التي نشاؤا فيها.

كذلك في المدن فان الإسكان الذي يلائم سكان مدن الدلتا يختلف عن السكن الذي يلائم سكان مدن الساحل عنه عن سكان مدن الصعيد، كل حسب احتياجاته وقدراته المالية وارتباطه بمناطق العمل والترفيه والخدمات المتاحة له.

في ظل هذا الوضع المتشابك فإن الحلول يجب أن تكون مرنه تضع مصلحة المواطن والدولة في نفس الميزان وتحافظ على علاقة المواطن بالدولة وعلى آلية العمل السليم من الدولة لتوفير المسكن الملائم وجودة الحياة لهذا المواطن من خلال أطر قانونية سليمة.

وأقترح في هذا الصدد الآتي:

  • أن يكون تاريخ نهاية التصالح في وقت ملائم يعبر عن معرفة المواطن وادراكه بالقانون وتأكيد وإصرار الدولة على تنفيذه وليكن في بداية عام 2020م حيث ظهرت النقاشات المجتمعية وظهر القانون فعلياً على السطح.
  • كل من قام بالبناء قبل هذا التاريخ يدرج ضمن الحيز العمراني ويتم التصالح معه عدا البناء على أملاك الدولة أو المباني الغير سليمة إنشائياً.
  • أي مبنى بعد التاريخ المحدد يتم هدمه فوراً دون أي تردد حيث يعلم كل مواطن الآن بذلك وأنه لا مجال لهذا التعدي أو البناء المخالف مرة أخرى.
  • محاسبة المسؤولين في المحليات عن كل ما سبق من مخالفات.
  • القرى القريبة من الحيز العمراني يعتمد لها مخططات أراضي من أملاك الدولة في الظهير الصحراوي ويتم بيعها في شكل قطع أراضي للمواطنين بهذه القرى بأسعار مناسبة وأقل من أسعار الأراضي الزراعية مع حصر بيعها على سكان القرى التابعة لها والقريبة منها ومد شبكات المرافق لها خاصة الكهرباء والمياه.
  • القرى البعيدة عن الظهير الصحراوي يتم مد طرق سريعة ملائمة لها من الظهير الصحراوي ويتم عمل نفس المخططات المقترحة لها بحيث يسهل انتقال أي مواطن من الظهير الصحراوي إلى قريته الأم.
  • كل مواطن يبنى بيته بالآلية والشكل الذي يرغب فيه مع تحديد اشتراطات عامة مثل الارتفاع والردود من الجار …الخ.
  • الاستعانة بخبراء الجيولوجيا والأثار لتحديد الأماكن الملائمة في الظهير الصحراوي لبناء تلك المخططات.
  • فيما يخص المدن يتم الالتزام بالمخطط التفصيلي لكل مدينة والمخطط الاستراتيجي لها وأي مخالفة لذلك يتم هدمها مع تحديث نطاقات تلك المدن.

بهذه الآلية وهذا الترتيب سيتم فعلاً التصالح ما بين مواطن دفع مدخراته في بناء منزل أو شراء وحدة سكنية وبين دولة ترفض تدمير البنية التحتية بها وانتشار العشوائيات وتآكل الرقعة الزراعية وما بين مخطط يطمح أن يرى بلاده متطورة عمرانياً وبيئياً واجتماعياً.

حفظ الله مصر

د.م. عارف عطية الشمندي

خبير التخطيط العمراني والمراصد الحضرية


بحث

ADS

تابعنا

ADS