يتردد سؤال عن كيفية تقدير الوقت في المسح على الخفين والجوربين وحكمه وشروطه؟
هذه المسألة من أهم المسائل التي يحتاج الناس إلى بيانها، ولهذا سوف نجعل الجواب أوسع من السؤال، إن شاء الله تعالى.
حكم المسح على الخفين:
فنقول: إن المسح على الخفين ثابت بدلالة الكتاب والسنة.
أما الكتاب فهو من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}، بكسر اللام: {أرجلِكم} فتكون أرجلكم معطوفة على قوله: {برؤوسكم} فتدخل في ضمن الممسوح، والقراءة التي يقرؤها الناس في المصاحف: {وأرجلَكم} بفتح اللام، فهي معطوفة على قوله: {وجوهكم}، فتكون من ضمن المغسول، وحينئذ فالأرجل بناء على القرائتين: إما أن تغسل وإما أن تمسح، وقد بيَّنت السنة متى يكون الغسل ومتى يكون المسح، فيكون الغسل حين تكون القدم مكشوفة، ويكون المسح حين تكون مستورة بالخفِّ ونحوه.
أما السنة، فقد تواترت عن النبي صلى الله عليه وسلم، المسح على الخفين وعدَّه أهل العلم من المتواتر، كما قال من نظم ذلك: مما تواتر حديثُ من كذب *** ومن بنى لله بيتاً واحتسب ورؤية شفاعة والحوض *** ومسح خفين وهذي بعض فمسح الخفين مما تواترت به الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، والمسح على الخفين إذا كان الإنسان قد لبسهما على طهارة أفضل من خلعهما وغسل الرجل، ولهذا لما أراد المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن ينزع خُفَيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم، عند وضوئه قال له: “دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين” ثم مسح عليهما (متفق عليه).
شروط المسح على الخفين
وللمسح على الخفين شروط:
الشرط الأول: أن يلبسهما على طهارة كاملة من الحدث الأصغر والحدث الأكبر، فإن لبسهما على غير طهارة، فإنه لا يصح المسح عليهما.
الشرط الثاني: أن يكون المسح في مدة المسح، كما سيأتي بيان المدة إن شاء الله تعالى.
الشرط الثالث: أن يكون المسح في الطهارة الصغرى، أي في الوضوء، أما إذا صار على الإنسان غسل، فإنه يجب عليه أن يخلع الخفين ليغسل جميع بدنه، ولهذا لا مسح على الخفين في الجنابة، كما في حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأمرنا إذا كنّا سفراً ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة” (أخرجه النسائي والترمذي وابن خزيمة).
مدة المسح على الخفين
أما المدة: فإنها للمقيم يوم وليلة، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، ولا عبرة بعدد الصلوات بل العبرة بالزمن، فالرسول عليه الصلاة والسلام وقَّتها يوماً وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، واليوم والليلة أربع وعشرون ساعة، وثلاثة الأيام بلياليها اثنتان وسبعون ساعة.
لكن متى تبتدئ هذه المدة؟ تبتدئ هذه المدة من أول مرة مسح، وليس من لُبس الخف ولا من الحدث بعد اللبس، لأن الشرع جاء بلفظ المسح، والمسح لا يتحقق إلا بوجوده فعلاً، “يمسح المقيم يوماً وليلة ويمسح المسافر ثلاثة أيام” فلا بد من تحقق المسح، وهذا لا يكون إلا بابتداء المسح في أول مرة، فإذا تمت أربع وعشرون ساعة من ابتداء المسح، انتهى وقت المسح بالنسبة للمقيم، وإذا تمت اثنتان وسبعون ساعة انتهى المسح بالنسبة للمسافر، ولا عبرة بعدد الصلوات كما مفهوم عند كثير من العامة، حيث يقولون: إن المسح خمسة فروض هذا لا أصل له، وإنما الشرع وقَّته بيوم وليلة تبتدئ هذه من أول مرة مسح.
أما المسافر فله ثلاثة أيام بلياليها، أي اثنتان وسبعون ساعة، تبتدئ من أول مرة مسح، ولهذا ذكر فقهاء الحنابلة رحمهم الله أن الرجل لو لبس خُفيه وهو مقيم في بلده، ثم أحدث في نفس البلد ثم سافر ولم يمسح إلا بعد أن سافر، قالوا فإنه يُتم مسح مسافر في هذه الحالة، وهذا مما يدل على ضعف القول بأن ابتداء المدة من أول حدث بعد اللبس.
مبطلات المسح على الخف:
والذي يُبطل المسح على الخف: انتهاء المدة، وكذلك أيضاً خلع الخف، إذا خلع الخف بطل المسح لكن الطهارة باقية، ودليل كون خلع الخف يبطل المسح، حديثُ صفوان بن عسال قال: “أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ننزع خفافنا”، فدلَّ هذا على أن النزع يبطل المسح، فإذا نزع الإنسان خفه بعد مسحه بطل المسح عليه، بمعنى أنه لا يعيد لبسه فيمسح عليه إلا بعد أن يتوضأ وضوءاً كاملاً يغسل فيه الرجلين. وأما طهارته إذا خلعه، فإنها باقية، فالطهارة لا تنتقض بخلع الممسوح، وذلك لأن الماسح إذا مسح تمت طهارته بمقتضى الدليل الشرعي، فلا تنتقض هذه الطهارة إلا بمقتضى دليل شرعي، وليس هناك دليل شرعي على أنه إذا خلع الممسوح بطل الوضوء، وإنما الدليل على أنه إذا خلع الممسوح بطل المسح، أي لا يُعاد المسح مرة أخرى إلا بعد غسل الرجل في وضوء كامل، وعليه فنقول: إن الأصل بقاء هذه الطهارة الثابتة بمقتضى الدليل الشرعي حتى يوجد الدليل، وإذا لم يكن دليل فإن الوضوء يبقى غير منتقض، وهذا هو القول الراجح عندنا، والله الموفق.
شروط وحكم المسح على الجوربين
قال الإمام ابن باز:
1- لا بد من طهارة: فيلبسهما على طهارة كما قال النبي ﷺ لما أراد المغيرة أن ينزع خفيه، قال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين، فإذا أراد أن يمسح فليلبسهما على طهارة رجلا كان أو امرأة، مسافرًا كان أو مقيمًا.
2- لا بد من أن يكونا ساترين صفيقين، ويمسح مع الخروق اليسيرة على الصحيح.
3- أن يكون المسح لمدة معينة هي يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، ولا يمسح أكثر من ذلك.
وإذا توافرت هذه الشروط؛ فإن المؤمن يمسح على خفيه وجوربيه، والمرأة كذلك.
المصدر: مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الحادي عشر – باب المسح على الخفين. والإمام ابن باز