يثير تساؤل لدى العديد من المتابعين حول اختلاف احتفال المسحيين بعيد الميلاد حول العالم، فبينما تحيي الكنائس الأوروبية اليوم احتفالات عيد الميلاد المجيد، ينتظر قطاع واسع من مسيحيي مصر حتى يوم 7 يناير للاحتفال بنفس المناسبة.
ورغم أن ميلاد السيد المسيح واحد، إلا أن هناك اختلاف حول الاحتفال بهذا اليوم، لكن الأمر يرجع إلى الطائفة فكل طائفة تحتفل بيوم معين ولكشف أسباب ذلك نحتاج للغوص في أوراق التاريخ قليلًا لمعرفة سبب هذا الاختلاف.
أول ثلاث قرون لم يكن يحتفل بعيد ميلاد المسيح
الجدير بالذكر أن أول ثلاث قرون لم يحتفل المسحيين بعيد ميلاد المسيح، إذا أن تاريخ ميلاد المسيح ليس محدد في الإنجيل، لكن بعد تبني الإمبراطور قسطنطين الأول المسيحية وانهاء اضطهاد المسحيون، اقيم مجمع نيقية عام 325 م، ليضع قوانين الإيمان، وحدد وقتها يوم ميلاد المسيح ليوافق 25 ديسمبر، يوم 29 كيهك بالتقويم القبطي.
حيث يكون عيد ميلاد المسيح في أطول ليلة وأقصر نهار (فلكيًا) والتي يبدأ بعدها الليل القصير والنهار في الزيادة، إذ بميلاد المسيح (نور العالم) يبدأ الليل في النقصان والنهار (النور) في الزيادة، استرشاداً بما قاله القديس يوحنا المعمدان عن السيد المسيح «ينبغي أن ذلك (المسيح أو النور) يزيد وأني أنا أنقص» (إنجيل يوحنا 30:3).
وظل جميع المسحيين حول العالم يحتفلون بعيد ميلاد المسيح في هذا اليوم من العالم.
التقويم الجريجوري.. إلغاء عشر أيام من التاريخ
وفي عام 1582 م وذلك في عهد بابا الفاتيكان جريجوريوس الثالث عشر، اكتشف العلماء خطأ في حساب حساب طول السنة والتى تحدد حين يتم دوران الأرض حول الشمس، وبهذا أصبح عيد الميلاد ليس في موضعه أي أنه لا يقع في أطول ليلة وأقصر نهار، بل وجدوا أنه يبعد بفارق عشرة أيام.
ووفق التقويم اليولياني المعمول به قبل التقويم الجريجوري، فإن السنة تحسب تتكون من 365 يومًا و6 ساعات، لكن العلماء لاحظوا أن الأرض تكمل دورتها حول الشمس مرة كل 365 يومًا و5 ساعات و48 دقيقة و46 ثانية أي أقل من طول السنة السابق حسابها (حسب التقويم اليولياني) بفارق 11 دقيقة و14 ثانية ومجموع هذا الفرق منذ مجمع نيقية عام 325م حتى عام 1582 كان حوالي عشرة أيام،
لذلك أمر البابا جريجوري بحذف عشرة أيام من التقويم الميلادي (اليولياني) حتى يقع 25 ديسمبر في موقعه كما كان أيام مجمع نيقية، وسمى هذا التعديل بالتقويم الجريجوري، إذ أصبح يوم 5 أكتوبر 1582 هو يوم 15 أكتوبر في جميع أنحاء إيطاليا.
ووضع البابا جريجوريوس قاعدة تضمن وقوع عيد الميلاد (25 ديسمبر) في موقعه الفلكي (أطول ليلة وأقصر نهار) وذلك بحذف ثلاثة أيام كل 400 سنة (لأن تجميع فرق الـ11 دقيقة و14 ثانية يساوى ثلاثة أيام كل حوالي 400 سنة)، ثم بدأت بعد ذلك بقية دول أوروبا تعمل بهذا التعديل الذي وصل إلى حوالي 13 يومًا.
قبول العالم بالتقويم الجريجوري
في البداية قبل التقويم الجريجوري في المناطق التي تخضع لنفوذ الكنيسة الكاثوليكية، وظلت العديد من الكنائيس البروتستانتية والأرثوذكسية على تقويم يوليان القديم، لكن مع الوقت تم تعميم التقويم الجريجوري على باقي دول العالم، فتبنته السويد والدنمارك عام 1700، وبريطانيا في عام 1752، وظل التقويم الجريجوري غير مقبول في المسيحية الشرقية لعدة مئات من السنين، وتأسس التقويم الجريجوري في روسيا من قبل الشيوعيين في عام 1917، وكان آخر بلد أرثوذكسي شرقي لقبول الجدول الزمني اليونان في عام 1923.
ولكن لم يعمل بهذا التعديل في مصر إلا بعد دخول الإنجليز إليها في القرن التاسع عشر، فتم حذف 13 يومًا بدلاً من 10 لأن الفارق زاد بين وقت تبني التقويم ومجمع نيقية.
وأصبح يوم 25 ديسمبر لايوافق يوم 29 كيهك، واستمرت الكنيسة الأرثوذكسية المصرية تحتفل يوم 29 كيهك الموافق حاليا يوم 7 يناير (بعد حذف 13 يوم)، أما الكنيسة الكاثوليكية استمرت في الاحتفال يوم 25 ديسمبر.
ولهذا السبب تحتفل اليوم الطائفة الكاثوليكية في مصر والعالم بعيد الميلاد يوم 25 ديسمبر، فيما تنتظر الكنيسة القبطية الأرثوذكسية (أغلبية المسيحيين في مصر)، حتى يوم 7 يناير لاحتفال بعيد ميلاد المسيح، كما تحتفل الطائفة الأنجيلية في مصر بعيد الميلاد في شهر يناير.