تحتفل قيادات وزارة الداخلية وضباطها وأفرادها وكبار المسئولين ورجال الدولة، بالذكرى الـ70 لعيد الشرطة، وذلك وسط مشاركة شعبية كبيرة.
ويوافق عيد الشرطة، يوم 25 يناير، من كل عام، لتخليد ذكرى معركة الإسماعيلية 1952، التي راح ضحيتها نحو 50 شهيدًا و80 جريحًا من رجال الشرطة المصرية.
ويظل يوم “25 يناير”، شاهدًا على بسالة رجال الشرطة المصرية برفضهم تسليم مبنى محافظة الإسماعيلية للبريطانيين، رغم قلة أعدادهم، وضعف أسلحتهم، فسقط العديد من الشهداء، ومئات الجرحى.
وضربت “معركة الإسماعيلية”، مثالًا رائعًا على تكاتف الشعب مع الشرطة، عندما تعاون أهالي الإسماعيلية مع رجال الداخلية، وانضموا إلى بعضهم البعض تحت راية هدف واحد هو مقاومة الاحتلال الإنجليزي.
حالة توتر
كانت البداية للمعركة، بعد وصول حالة التوتر بين مصر وبريطانيا إلى الذروة عقب زيادة أعمال التخريب والأنشطة الفدائية ضد معسكراتهم وجنودهم وضباطهم في منطقة القناة، بالتزامن مع ترك أكثر من 91 ألف عامل مصري معسكرات البريطانيين للمساهمة في حركة الكفاح الوطني، كما امتنع التجار عن إمداد المحتلين بالمواد الغذائية.
وجاءت تلك الأعمال بعد استجابة حكومة الوفد، لمطلب الشعب بإلغاء معاهدة 1936، حيث أعلن رئيس الوزراء مصطفى النحاس، في مجلس النواب، يوم 8 أكتوبر 1951، إلغاء المعاهدة، التي فرضت على مصر الدفاع عن مصالح بريطانيا.
وأزعجت تلك الأفعال حكومة لندن، فهددت باحتلال القاهرة، إذا لم يتوقف نشاط الفدائيين، غير أن الشباب لم يهتم بهذه التهديدات ومضوا في خطتهم غير عابئين بالتفوق الحربي البريطاني، واستطاعوا بما لديهم من أسلحة متواضعة أن يكبدوا الإنجليز خسائر فادحة.
إنذار بريطاني
وفي صباح يوم الجمعة، الموافق 25 يناير عام 1952، استدعى القائد البريطاني بمنطقة القناة “البريجادير أكسهام”، ضابط الاتصال المصري، وسلمه إنذارًا لتسلم قوات الشرطة المصرية بالإسماعيلية، أسلحتها للقوات البريطانية، وترحل عن مبنى المحافظة ومنطقة القناة وتنسحب إلى القاهرة.
وجاء هذا الإنذار بعد أن أدرك البريطانيون أن الفدائيين يعملون تحت حماية الشرطة، لذا خطط الاحتلال على تفريغ مدن القناة من قوات الشرطة حتى يتمكنوا من الاستفراد بالمدنيين وتجريدهم من أي غطاء أمني.
غير أن قوات الشرطة المصرية رفضت الإنذار البريطاني، وأبلغته إلى فؤاد سراج الدين، وزير الداخلية، في هذا الوقت، والذي طلب منها الصمود والمقاومة وعدم الاستسلام، ليشتد غضب القائد البريطاني في القناة، ويأمر قواته بمحاصرة قوات شرطة الإسماعيلية، وإطلاق النيران مدافعهم بطريقة وحشية لأكثر من 6 ساعات، في الوقت التي لم تكن قوات الشرطة المصرية مسلحة إلا ببنادق قديمة الصنع.
حصار واستبسال
حاصر أكثر من 7 آلاف جندي بريطاني مبنى محافظة الإسماعيلية، والثكنات التي كان يدافع عنهما 850 جنديا فقط، مما جعلها معركة غير متساوية القوة بين القوات البريطانية وقوات الشرطة المحاصرة، التي دافعت ببسالة عن أرضها بقيادة الضابط مصطفى رفعت، حتى سقط منهم 50 شهيدًا والعديد من الجرحى الذين رفض العدو إسعافهم.
ولم يكتف البريطانيون بالقتل والجرح والأسر، بل قاموا بهدم قرى مسالمة تابعة للمحافظة، لاعتقادهم أنها مقر يتخفى خلاله الفدائيون، مما أثار الغضب في قلوب المصريين، فنشبت المظاهرات لتشق جميع شوارع القاهرة مليئة بجماهير غاضبة تنادي بحمل السلاح لمواجهة العدو الغاشم.
وأجبر تصدي الشرطة المصرية لقوات الاحتلال واستبسالهم حتى اللحظة الأخيرة في الدفاع عن الوطن، قرر الجنرال الإنجليزي اكسهام، منح جثث شهداء الشرطة التحية العسكرية عند إخراجها من مبنى محافظة الإسماعيلية، اعترافًا بشجاعتهم في الحفاظ على وطنهم.
وانتشرت أخبار الجريمة البشعة في مصر كلها، وخرجت المظاهرات في القاهرة، واشترك فيها جنود الشرطة مع طلاب الجامعة صباح السبت 26 من يناير 1952.
وعمت المظاهرات شوارع القاهرة التي امتلأت بالجماهير الغاضبة، وراحوا ينادون بحمل السلاح ومحاربة الإنجليز، لتكون معركة الإسماعيلية الشرارة التي أشعلت نيران الثورة.
اليوزباشي مصطفى رفعت
سجل “اليوزباشي” مصطفى رفعت، ملحمة أسطورية أمام الاحتلال البريطاني في موقعة الإسماعيلية قبل 69 سنة، ليبقى التاريخ شاهدًا على تضحيات رجال الشرطة من أجل الحفاظ على مصر.
تأثر “مصطفى رفعت” بالأحداث الوطنية التي شهدتها مصر بعد إلغاء معاهدة 1963، حيث تم إرساله في بعثة دراسية إلى لندن لمدة 6 أشهر على اعتبار أنه مدرس بكلية البوليس (كلية الشرطة)، وعندما عاد ظهرت حركة الفدائيين وتطوع بها لتدريب المقاومة في القناة، وكان معه عبدالكريم درويش، وصلاح ذوالفقار الذي أصبح نجما سينمائيا بعد ذلك.
طلب “رفعت” نقله إلى الخدمة في الإسماعيلية، وخلال تلك الفترة وقعت معركة الإسماعيلية وكان وقتها يوزباشي (نقيب)، وفوجئ في الخامسة صباح الجمعة 25 يناير 1952 أن الضباط معه في الخدمة أخبروه أن قوات الاحتلال تطلق النيران على المحافظة، فنزل مع ضابطين وباقي القوة وتوجهوا لمساندة القوات المصرية.
خلال تلك الملحمة الشعبية التي صمدت فيها قوات الشرطة المصرية ببنادقهم الخشبية أمام الاحتلال البريطاني، تلقى “رفعت” اتصالًا تليفونيًا من فؤاد سراج الدين، وكان يشغل منصب وزير الداخلية، ليؤكد له البطل: “لن نستسلم يافندم، وسنظل في مواقعنا”.
بعد نهاية المعركة، نادى عليه أكسهام القائد البريطاني بمنطقة القناة، وأشاد ببطولته، رغم اعتقاله وعزله من عمله بالبوليس، ، قبل أن يعيده الرئيس الراحل جمال عبدالناصر تكريما له، ويمنحه وسام الجمهورية، ويعود إلى كلية الشرطة ليدرس للطلبة الفروسية.
وعقب ذلك، تدرج في العمل بوزارة الداخلية، حيث أصبح مديرا للأمن بمدينة السويس خلال 1976 و1977، ثم حصل على رتبة لواء، ومساعد أول لوزير الداخلية.
وخلال عهد الرئيس الراحل أنور السادات، اتصلت به وزارة الداخلية في الثالثة صباح أحد أيام 1981، ليغيب عن منزله 3 أيام دون أن تعلم أسرته عنه شيئًا، وعندما عاد أخبر زوجته أنه كان مكلفًا بالعمل على حل مشكلة أحداث “الزاوية الحمراء” التي وقعت يوم 17 يونيو 1981.
وبعد مسيرة رائعة تقاعد “رفعت”، حتى وفاته في 13 يوليو 2012، حزنًا على الفوضى التي شهدتها مصر، بعد “يناير 2011″، قائلًا لأفراد أسرته أنه “لو يستطيع النزول لإعادة الاستقرار إلى مصر مرة أخرى رغم كبره في السن فلن يتأخر أبدًا”.
وكرم الرئيس عبدالفتاح السيسي، أسرة البطل الراحل، في احتفال عيد الشرطة رقم 67، تقديرًا لدور “رفعت” الأسطوري يوم 25 يناير 1952، الذي بات عيدًا لمحافظة الإسماعيلية، ثم عيدًا للشرطة فيما بعد.
وشمل التكريم نائلة عبدالله محمد زوجة اللواء مصطفى رفعت ، ونجله وابنته، وسط فرحة غامرة وتقدير متبادل.