تتصاعد يوما بعد يوم حدة الحرب الروسية على الجارة الضعيفة أوكرانيا، فمنذ بداية الحرب في 28 فبرايرالماضي وحتى الآن مازالت المعارك دائرة بين الطرفين على الأراضي الأوكرانية كما أن المعارك دائرة داخل أروقة المكاتب وبين الساسة.
حرب أثرت على العالم أجمع فاقتصادات العالم المتأثرة بفعل فيروس كرونا ومتحوراته ما كادت أن تستيقظ من غفلتها حتى جائت الحرب الروسية الأوكرانية لتزيد من حدة الأزمة الاقتصادية العالمية ومن حدة الأزمة السياسية على حد سواء .
على الرغم من البعد الجغرافي لبلاد العالم العربي والشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلا أنها كانت في القلب والمحور من تصاعد حدة الحرب الدبلوماسية الدائرة بالتوازي مع الحرب على الأرض في أوكرانيا.
لكن يتوقف حدة التأثير على مناطق شمال أفريقيا والعالم العربي حتى الآن على السيناريوهات المستجدات على الأرض هل ستتجه الأزمة والحرب لإنفراجة قريبة أم أن الوضع سيزداد سوء على الأرض ومن ثم في الساحات الموازية الدبلوماسية منها والاقتصادية .
العالم الذي حولته العولمة والتجارة البينية الى قرية صغيرة أضحى من السهل جدا رؤية التأثير المتبادل فالحرب الدائرة الآن أثرت سياسياً واقتصادية بشكل كبير على بلدان العالم العربي وشمال أفريقيا .
من الناحية الاقتصادية
وهي الأكثر خطورة وتأثيراً على المواطن العربي الذي تستورد بلاده المنهكة اقتصادية نسبة كبيرة جدا من القمح المحصول الاستراتيجي لهذه الدول . كما أن فصل عدد من البنوك الروسية عن نظام سويفت للدفع وتمويل التجارة العالمية قد يسبب حدوث نقص عالمي في الإمدادات خلال الأسابيع والأشهر القليلة القادمة على الأقل ، وستكون معظم الدول العربية في مقدمة الدول المتأثرة بذلك .
حيث تساهم روسيا وأوكرانيا سنوياً بأكثر من ربع الصادرات العالمية من القمح، أي بنحو 55 مليون طن. وحسب منظمة الأغذية والزراعة العالمية “الفاو” فإن القسم الأكبر منها يتم شحنه عبر البحر الأسود إلى مختلف الوجهات وعلى رأسها الدول العربية التي أضحت في مقدمة دول العالم استيراداً للقمح الروسي والأوكراني. فمصر التي تستورد 80% من احتياجاتها من القمح الذي يصنع الخبز اليومي المدعوم من الدولة المصرية سوف تتأثر وبشدة بفعل الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرنيا .
فلقد استوردت مصر في العام السابق 50% من احتياجاتها من القمح من روسيا و 30 % من احتياجاتها من القمح من أوكرنيا وفي ظل ضعف الانتاج المحلي والزيادة السكانية أضحت الحكومة المصرية في موقف لا تُحسد علية مع توقف أغلب الموانئ الروسية والأوكرانية عن العمل وتعكل الشحن البحري في البحر الأسود . وحسب تقارير رسمية فلدى مصر احتياطي من القمح يكفي 4 إلى خمسة أشهر.
مصر ليست وحدها حيث تشكل أوكرانيا المصدر الرئيسي للقمح إلى لبنان بنسبة حوالي 50 % من احتياجاته ، و43 % من احتياجات ليبيا 22% بالنسبة لليمن. وتبلغ نسبة واردات المغرب من القمح 26% من السوق الأوكراني .
أما الجزائر فان روسيا هي المزود الرئيسي من القمح وتليها أوكرانيا .
ضعف الانتاج المحلي من الحبوب في دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط عامة ، يضع عليها ضغط كبير لتوفير بديل لوارداتها من القمح ويجعلها تبحث عن أسواق جديدة لتوفير احتياجاتها . تأتي الولايات المتحدة وكندا وفرنسا في مقدمة البدائل التي يمكن أن تعزز حضورها في الأسواق العربية.
أكبر خطر على الأمن الغذائي العالمي شكلته الحرب المتأججة الآن كما وصفها خبراء الأقتصاد مستجدات الحرب وتأثر الدول الشرق أوسطية بها ستجلعها تتخذ اجرءات اقتصادية محورية وقد باشرت الجزائر ومصر والمغرب، سن تدابير طارئة للتكيف مع احتمالات إرتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية مثل ضخ اعتمادات إضافية للميزانية بمئات الملايين من الدولارات لدعم المواد الأساسية التي ستتأثر بارتفاع الأسعار. أو المضي في نهج سياسات رفع الدعم عن المواد الأساسية وبدرجات متفاوتة وهو القرار الأخطر والذي أطاح بحكومات سابقة.
ليس سوق القمح و الواردات العربية منه وحدها هي المتأثر الوحيد بفعل الأزمة العالمية التي خلفتها الحرب الروسية الأوكرانية ، فسوق التداول الرقمي والبورصات العالمية شديدة الحساسية للعمليات العسكرية حيث هوت البورصة المصرية على سبيل المثال في أول أيام الاعتداء الروسي على أوكرنيا وتكبدت خسائر تقدر ب 24.4 مليار جنيه . كما زادت أسعار الذهب عالمياً ، فضلاً عن زيادة أسعار البترول إلى مستوى غير مسبوق ، مما يعود بالفائد على الدول الخليجية المصدرة للبترول .السياحة الروسية والأوكرانية التي تشكل نسبة كبيرة من السياحة القادمة لمصر تأثرت أيضاً من المتوقع أن يؤثر اندلاع الحرب على أعداد الوفود القادمة منها إلى مصر.
كما سجلت أسعار الغاز الطبيعي ارتفاعًا بنسبة 5.9% ، ويعد ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي عاملا إيجابيا لبعض الدول العربية مثل مصر والجزائر وليبيا وغيرهم ممن يمتلكون احتياطات غاز تسمح لهم بأن يكونوا بديل للسوق الروسية وتصديه للدول الأوربية،وبالتالي تنعكس الزيادة في الأسعار إيجابيا على إيراداتها البترولية.
سياسياً يختلف الأمر تماماً حيث أرجعتنا الحرب الدائرة لفترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والكتلة الغربية من جهة ، وروسيا وحلفائها من جهة أخرى . فمنذ اليوم الأول اصطفت دول العالم صفين من حيث ادانة العدوان الروسي و وصفه بالغزو ، وجانب آخر يدعم روسيا في الدفاع عن أمنها القومي و منع أوكرنيا من الانضمام للنيتو كما يصفون .وكان لهذا الاصطفاف أنعكاسه بالطبع على منطقة الشرق الأوسط ، حيث تفاضل الدول العربية بين كسب رضى الولايات المتحدة ، أم تحمل سخط روسيا وحلفائها.
فالقاهرة التي قررت مبكرا تبنيها الحياد وعدم وصف ما يجري بالحرب، عبر بيان مقتضب لوزارة الخارجية المصرية أعربت خلاله عن قلقها البالغ من التطورات المُتلاحقة اتصالًا بالأوضاع في أوكرانيا، من دون ذكر كلمة حرب، وتأكيد أهمية تغليب لغة الحوار والحلول الدبلوماسية.
دفع سفراء دول مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي إلى إصدار بيان مشترك نشرته السفارة الأميركية بالقاهرة، لدفع مصر إلى تبني موقف واضح ومحدد من “العدوان الروسي” على أوكرانيا، وإصدار “إدانة واضحة للغزو” . جاء تصويت الدول الأعضاء على قرار الجمعية العامة للامم المتحدة فيصل لبيان موقف الدول العربية من الأحداث الجارية.
فلقد تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثاني من مارس/ آذار بأغلبية ساحقة قرارا “يطالب روسيا بالتوقف فورا عن استخدام القوة ضد أوكرانيا”، وذلك بأغلبية أصوات 141 دولة فيما عارضته 5 دول وامتنعت 35 عن التصويت من بينها الصين، من إجمالي 193 دولة عضوا بالأمم المتحدة. صوتت كل من مصر والسعودية والامارات وإسرائيل لصالح القرار فيما صوت النظام الروسي ضد القرار، وامتنعت كلاً من السودان وإيران عن التصويت.