ضربت لبنان موعدا مع أزمة جديدة في مسلسل الأزمات المتتالي منذ عقود، ولكن جاءت الأزمة هذه المرة مصحوبة بردود أفعال مستنكرة وقلقة.
بدأت الأزمة المصنفة اقتصادياً هذه المرة عندما أعلن نائب رئيس الحكومة اللبنانية سعادة الشامي “إفلاس الدولة ومصرف لبنان المركزي”، وقال إنه سيجري توزيع الخسائر على الدولة ومصرف لبنان والمصارف والمودعين. وقال يوم الأحد السابق أنه “سيجري توزيع الخسائر على الدولة ومصرف لبنان والمصارف والمودعين، ولا توجد نسبة مئوية محددة، للأسف الدولة مفلسة وكذلك مصرف لبنان، ونريد أن نخرج بنتيجة، والخسارة وقعت بسبب سياسات لعقود، ولو لم نفعل شيئا ستكون الخسارة أكبر بكثير” .
تصريحات أدلى بها الرجل ذا المهام الرسمية أثارت جدلاً واسعاً وانتشار للتصريحات كالنار في الهشيم.
أول ردود الأفعال الرسمية جاءت على لسان رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي بعد ساعات قليلة من تصريح نائبه، موضحاً أن ما قاله الأخير حول إفلاس لبنان تم اجتزاؤها، مؤكدا أن الشامي قصد السيولة المالية وليست الملاءة.
وأضاف نفيا لما تردد حول إعلان الحكومة اللبنانية رسميا إفلاس لبنان وإفلاس مصرف لبنان، وأن تصريحات الشامي تم إجتزاؤها من حوار تلفزيوني والذي تناول سير المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
كما أضاف حاكم مصرف لبنان بإعتباره المسؤل الأول عن الحالة المالية لمصرف لبنان ، أن ما تم تداوله حول إفلاس المصرف المركزي غير صحيح وأن البنك لا يزال يمارس دوره العادي الموكل إليه بموجب القانون.
لبنان الجريح
يعاني لبنان من عدة أزمات سياسية واقتصادية ومجتمعية طائفية أنهكته لعقود عديدة . فقد وصلت نسبة السكان الذين يعيشون في فقر متعدد الأبعاد إلى 82%، وفقًا للأمم المتحدة، وانهيار عملة البلاد بعد أن انخفضت قيمتها لأكثر من 90 % في زمن قياسي، في ظل ثبات مرتبات الغالبية العظمى من الشعب، أضف إلى ذلك بأن عدد ساعات انقطاع الكهرباء (التقنين) قد وصل إلى 22 ساعة يوميًّا. مع الإشارة إلى أن أثرى أثرياء هذا البلد هم القيادات السياسية، أو أفراد من عائلاتهم.
حياة يومية غابت عنها المؤسسات الرسمية للدولة اللبنانية بشكل مفجع، في مقابل قوة وشدة المؤسسات والقوى والتيارات السياسية/الطائفية، وذلك على كل المستويات، بدءً من المستوى العسكري، حيث يأتي “حزب الله ” (الشيعي) على رأس موازين القوى العسكرية في البلاد كما أن باقي التيارات هي الأخرى لديها أذرع عسكرية متفاوتة القوى، مثل القوات اللبنانية (مسيحي)، و”التقدمي الاشتراكي” (درزي)، و”حركة أمل” (شيعي)، و”تيار المستقبل” وبقية القوى السُنيَّة، ويمكن القول بأن لدى كل التيارات والطوائف – 18 طائفة دينية في لبنان- مجموعاتها المسلحة، أما على باقي المستويات فحدث ولا حرج، حيث تمتلك تلك الأحزاب مستشفياتها ومدارسها ومؤسساتها الخيرية.ومن خلال تلك المؤسسات الحزبية/الطائفية يسيطر زعماؤها على القوى والنفوذ والمقدرات والثروات، فكما أنهم يملكون السلطة بشكل ما على تعليم وصحة وعمل وأمن وحماية أبناء عشيرتهم، فإنهم يأخذون في المقابل أصواتهم الانتخابية وولائهم وطاعتهم، وانعكاس ذلك أيضًا في النفوذ داخل مؤسسات الدولة الرسمية، في دائرة محزنة لا تنتهي، تلك الدائرة التي راكمت ثروات طائلة للزعماء من احتكارهم للسياسة والاقتصاد ومقدرات الناس وعلاقات الفساد والمصالح، وبينما يؤجج كل زعيم نيران الكره والطائفية في قلوب أتباعه ضد أبناء الطوائف الأخرى، ويصور نفسه بأنه هو المنقذ والملجأ الذي يحميهم من هؤلاء، يتشارك هو نفسه مع زعيم الطائفة الأخرى/الخصم في المصالح السياسية والاقتصادية، ويسيطروا على كل ما تطاله أياديهم من احتكار لثروات الداخل (أدوية، وقود، أغذية، تجارة، صناعة… إلخ) أو القادم من الخارج (معونات، دعم، قروض، إعادة اعمار.. إلخ).
التدخلات الدولية
لك أن تتخيل الحجم الضخم للتدخلات والنفوذ الأجنبي في البلاد، والذي هو بالأمر المعلن، وليس هناك مثالًا أوضح من تصريح الأمين العام ل”حزب الله”، السيد حسن نصر الله، بأن موازنة حزبه ومعاشات أفراده ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من الجمهورية الإسلامية في إيران.
ولكنها ليست إيران وحدها، فهناك الممولون من السعودية والإمارات وقطر وسوريا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وغيرها، ولك أن تتخيل انعكاس حجم الخلاف والعداء وتضارب المصالح والمشاريع بين تلك القوى الإقليمية والدولية على بلد صغير بحجم لبنان، الذي يقدر عدد سكانه بستة ملايين نسمة، وحتى هذه المعلومة هي غير رسمية على الإطلاق، حيث أن آخر تعداد رسمي كان منذ 90 عامًا، وتوقفت الدولة بعده عن عد سكانها لأسباب طائفية بحتة.
الحقيقة الان هي أن لبنان يعيش أوقات صعبة وحرجة تتطلب تنحية الزعامات الصورية وتغليب المصلحة الوطنية ونبذ الطائفية بكل صورها ، إلا وأن خبر افلاس لبنان الذي سرعان ما نفته الحكومة سيكون أمر واقع ومستقبل لا مفر منه .