تحل علينا اليوم ٩ مايو ذكرى مولد ووفاة الشيخ محمد رفعت في آن واحد، فهو أحد القراء المصريين البارزين، ولقب بـ “المعجزة” و”قيثارة السماء”، ولد يوم 9 مايو من عام 1882 بحي المغربلين بالقاهرة، وتوفي يوم 9 مايو من عام 1950، وقرآن المغرب في شهر رمضان مرتبط فى آذن المصريين بصوت عذب لا يموت وهو صوت الشيخ محمد رفعت، فمن منا لم يعش جو ما قبل أذان المغرب وإفطار رمضان مع صوته الذى يضعك فى الجو الروحانى بصوته الرائع.
يعتبر الشيخ محمد رفعت أول من أقام مدرسة للتجويد الفرقاني في مصر، وكانت طريقته تتسم بالتجسيد للمعاني الظاهرة القرآن الكريم وإمكانية تجلي بواطن الأمور للمتفهم المستمع بكل جوارحه لا بأذانه فقط، والتأثر والتأثير في الغير بالرسالة التي نزلت على محمد بن عبد الله رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه، فقد كان يبدأ بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والبسملة والترتيل بهدوء، وتحقيق وبعدها يعلو صوته فهو خفيض في بدايته، ويصبح بعد وقت ليس بالطويل غالبا “عاليا” لكن رشيدا يمس القلب ويتملكه ويسرد الآيات بسلاسة، وحرص منه واستشعار لآيات الذكر الحكيم.
اهتم الشيخ رفعت بمخارج الحروف وكان يعطي كل حرف حقه ليس “كي لا يختلف المعنى، بل لكي يصل المعنى الحقيقي إلى صدور الناس”، وكان صوته حقا جميلا رخيما رنانا، وكان ينتقل من قراءة إلى قراءة ببراعة وإتقان وبغير تكلف بعكس القارئين الذين خلفوه الذين يفتخرون بذلك ويتمادون في ذلك بطريقة مبتذلة زائدة عن الحد وكان صوته يحوي مقامات موسيقية مختلفة وكان يستطيع أن ينتقل من مقام إلى مقام دون أن يشعرك بالاختلاف.
كان الشيخ محمد رفعت قويا رقيقا خاشعا عابدا لله يشهد بوحدانية الله وصمديته، فهو رجل “خشع قلبه فخشع صوته” فتجد الناس تبكي وتخشى الله عند ذكره لآيات الترهيب، وتفرح بذكره آيات الترغيب، لذا سمي بسوط عذاب وصوت رحمة، وعند سرده للقصص القرآني يتفكروا في الآيات ويتدبرونها ويعتبروا منها، أما عندما يتصدق أي يقول صدق الله العظيم يندموا على بعده، ويتمنوا لو استمرت تلاوته أبد الدهر فهو صوت من الجنة.
مولده
ولد الشيخ محمد رفعت في يوم الاثنين 9 مايو عام 1882م بحى المغربلين بالقاهرة، وفقد بصره صغيرًا، وهو في سن الثانية من عمره، فقد كان جميلا جدا عند ولادته، حسدته إحدى السيدات فقالت: له عيون ملوك فالعين حق تدخل الجمل القدر، وتدخل الرجل القبر، فأصيب بالعمى نتيجة مرض أصاب عينيه.
حفظ القرآن في سن الخامسة، والتحق بكتاب مسجد فاضل باشا بدرب الجماميز بالسيدة زينب ودرس علم القراءات وعلم التفسير ثم المقامات الموسيقية على أيدى شيوخ عصره. توفي والده محمود رفعت والذي كان يعمل مأمورا بقسم شرطة الخليفة وهو في التاسعة من عمره فوجد الطفل اليتيم نفسه مسئولا عن أسرته وأصبح عائلها الوحيد، فلجأ إلى القرآن يعتصم به ولا يرتزق منه، تولى القراءة بمسجد فاضل باشا بحي السيدة زينب سنة 1918م، وهو في سن الخامسة عشرة، فبلغ شهرة ونال محبة الناس، وافتتح بث الإذاعة المصرية سنة 1934م، وذلك بعد أن استفتي شيخ الأزهر محمد الأحمدي الظواهري عن جواز إذاعة القرآن الكريم فأفتي له بجواز ذلك فافتتحها بقول من أول سورة الفتح (إنا فتحنا لك فتحا مبينا)، ولما سمعت الإذاعة البريطانية بي بي سي العربية صوته أرسلت إليه وطلبت منه تسجيل القرآن، فرفض ظنا منه أنه حرام لأنهم غير مسلمين، فاستفتى الإمام المراغي فشرح له الأمر وأخبره بأنه غير حرام، فسجل لهم سورة مريم.
ويروي عن الشيخ أنه كان رحيما رقيقا ذا مشاعر جياشا عطوفا على الفقراء والمحتاجين، حتى أنه كان يطمئن علي فرسه كل يوم ويوصي بإطعامه، ويروي أنه زار صديقا له قبيل موته فقال له صديقه من يرعي فتاتي بعد موتي، فتأثر الشيخ بذلك، وفي اليوم التالي والشيخ يقرأ القرآن من سورة الضحي حتي وصل الي قول (فأما اليتيم فلا تقهر) فتذكر الفتاة وانهال في البكاء بحرارة، ثم خصص مبلغا من المال للفتاة حتى تزوجت.
وفاته
أصيب الشيخ محمد رفعت في عام 1943م بمرض سرطان الحنجرة الذي كان معروفًا وقتئذ “بمرض الزغطة” وتوقف عن القراءة، يقال: “إنه على الرغم أنه لم يكن يملك تكاليف العلاج إلا أنه اعتذر عن قبول أي مدد أو عون ألح به عليه ملوك ورؤساء العالم الإسلامي، وأنه كانت كلمته المشهورة “إن قارئ القرآن لا يهان”.
فارق الشيخ محمد رفعت، الحياة في 9 مايو عام 1950م وهو نفس اليوم الذى ولد فيه.