«سارة وشيماء وجومانا»، من لا يعرفهن في قرية كحك بحري التابعة لمركز الشواشنة بمحافظة الفيوم، حيث أُطلق عليهن مثلث الصداقة فتجدهن دائماً معاً في أفراحهن وأحزانهن، لا تذهب إحداهن إلى مكان دون الأخريين، رغم أنّ إحداهن تكبر الاثنتين بـ6 سنوات، إلا أنّ فارق السن لم يحدث فرقاً في الحب، وكعادتهن خرجت الثلاث فتيات معاً مقررات الذهاب لمصيف الغلابة الخاص بهم للاستحمام بمياه بحيرة قارون هرباً من ارتفاع درجات الحرارة، وبحثاً عن المتعة واللهو.
أعدت الفتيات الثلاث عدتهن وملابسهن، وتوجهن إلى بحيرة قارون التي تبعد عن منازلهن عدة أمتار فقط، غيرن ملابسهن وتركنها على الشاطئ، وخلعن أحذيتهن، ونزلن إلى المياه، يقذفن بعضهن بالمياه ملء أيديهن الصغيرة، ومع غروب الشمس جذبهن قرص الشمس الأحمر الذي كان يغرب على البحيرة، فقررت إحداهن أن تدخل في عمق أكبر ببحيرة قارون لتستمع بالاستحمام ومشاهدة الغروب في آن واحد لمزيد من المتعة، إلا أنّها لم تكن تعلم أن حياتها ستغرب مع ذلك الغروب.
دقائق معدودة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، حينما اختفت شيماء صاحبة الـ16 عاماً عن أنظار صديقتيها اللتين قفزتا إلى داخل المياه مجدداً بحثاً عن صديقتهما، للتأكيد على أنّ مثلث صداقتهن لن يكتمل بدون ضلعه الثالث، وظللن يسبحن لمسافة طويلة داخل مياه بحيرة قارون بمحافظة الفيوم، دون أن تأخذ بالهما من ارتفاع الأمواج، وانخفاض القاع كلما سبحتا للداخل، ليتفاجآ بالأمواج تغطيهما فجأة، فحاولتا السباحة والعودة للشاطئ ولكن دون جدوى حيث انتصرت عليهما الأمواج، ولفظتا أنفاسهما الأخيرة.
أسدل الليل ستاره، ولم تعد الثلاث فتيات إلى منازلهن، فتوجهت أسرهن للبحث عنهن، وما إن وصلوا إلى الشاطئ حتى وجدوا ملابس بناتهم وأحذيتهن وبقايا طعامهن على الشاطئ، فاعتقدوا إنهن ربما يكن سرن على أقدامهن قليلاً على ضفاف الشاطئ، فأحضروا الكشافات وبدأوا في إنارتها حتى لاحت لهم جثامين تعوم على سطح المياه، وارتفعت أصواتهم تنادي على فتياتهم ولكن دون رد.
هرع الأهالي وقفزوا إلى المياه دون تفكير ليحضروا أجساد بناتهم الطافية على سطح المياه، وأخرجوهن في محاولة لإسعافهن إلا أنّهم تفاجأوا بوفاتهن وهو ما أكده الطبيب الذي أحضروه للكشف عليهن، فأكد أنّهن توفين وليس بينهن من هي على قيد الحياة، فأبلغوا الشرطة التي انتقلت لمكان حادث الغرق واتخذت الإجراءات القانونية.
واتشحت قرية كحك بحري بالسواد بعد وفاة الفتيات الثلاث، فيما استغرب الجميع أنّهن عشن معا ومتن معا، كما اتفقت أسرهن على دفنهن معاً مثلما كن معاً في الحياة والموت، ومعا في القبر أيضا.