نشرت صحيفة «المصرى اليوم» تقرير يتبع سيرة المُلحق التكميلى لمعهد ناصر عبر ما يزيد عن 20 عاما تعطلت خلالها أعمال تجهيزه، رغم تعاقب العديد من وزراء صحة عليه منذ إنشائه، ليُصبح صرحا طبيا تأهيليا مع وقف التنفيذ. تكلف بناؤه بحسب مصدر مسؤول بالشركة المنفذة له قرابة 10 ملايين جنيه قبل 17 عاما، فيما يثمنه المهندس محمد متولى، الخبير فى التسويق العقارى، حاليا بحوالى 200 مليون جنيه نظرا لموقعه على كورنيش النيل ومساحته الكبيرة.
يمر على المبنى التكميلى بمعهد ناصر مئات الزوار والعاملين وحتى المرضى بصفة يومية، وتتنامى على ألسنتهم أساطير مُتباينة، تقول منى المُمرضة بقسم زراعة الكبد فى المعهد المجاور: «دا كان فندق مُخصص للسياحة العلاجية وواقف كده بقاله يجى 17 سنة»، إلا أنها تؤكد حسبما ورد إلى مسامعها أن المبنى مُصمم من الداخل على طراز فندقى خالص، إضافة لاتساعه لاستقبال المرضى المُصابين بالأورام ونزلاء معهد ناصر السابقين لإمضاء فترة للنقاهة والتأهيل الطبى قبل العودة للحياة اليومية الاعتيادية».
فى العام العاشر لرمى أساسات المبنى الأسطوانى سيئ الحظ، تساءلت الزميلة بالجريدة «أسماء جاد المولى» عن ماضى البناء المجهول، فى تقرير نُشر على صفحات «المصرى اليوم» فى الخامس والعشرين من سبتمبر عام 2010».
فى تحقيق الزميلة، تنصّل وقتها مدير معهد ناصر من تبعية المبنى الإدارى للمعهد، فيما شدد «دكتور بهاء أبوزيد» على نفى أى صفة اتصال بين المبنى والصرح الذى يُديره سوى الامتداد المعمارى فحسب «وجه الارتباط الوحيد بين المبنى والمعهد هو وجوده داخل حرمه»، هذا فيما أرجع غالبية المسؤولية التاريخية والإنشائية مُباشرةً لوزارة الصحّة، وبالأخص وزارة «الدكتور إسماعيل سلام»، والذى اضطلع بمهام الوزارة مُدة ثمانى سنوات فى الفترة ما بين 1994 و2002.
«وفقًا لرؤية خاصة به»، هكذا أرجع «الدكتور عبدالرحمن شاهين» المتحدث الإعلامى باسم الوزير حاتم الجبلى، المسؤولية بشكل مُباشر للوزير «الدكتور إسماعيل سلّام». حسب شاهين، أراد سلّام إنشاء فُندق وليس مبنى يقدم خدمة علاجية أو رعاية طبيّة من أى نوع، بالتزامن مع سيطرة فكرة تنشيط السياحة العلاجية المصرية على الفكر الوزارى فى هذه الحقبة أواخر التسعينيات.
وفقًا لتصريحات شاهين وقتها، لم يتوقف حُلم سلّام على حدّ إشغال المبنى الفندقى المُكمّل لمعهد ناصر، إذ انتوى الوزير شراء جزيرة نيليّة مُقابلة للمبنى تحت الإنشاء فى ذلك الحين، والربط بينها بـ«تليفريك» يعبُر الطريق العام إلى الفندق العلاجى، وهى الرؤى التى حال دون تحقيقها تعذُر الدعم المادى لتجهيز المبنى الذى تم الانتهاء من بنائه، وقدّره متحدث وزارة الصحة بـ 200 إلى 300 مليون جنيه عام 2010، ليصبح وضع المبنى فى حُكم المُعلق بالنسبة للوزارة.
فى سلسلة مقالات بعنوان «لقيط فى معهد ناصر»، نشرها الوزير الأسبق للصحّة «الدكتور إسماعيل سلّام» على صفحات المصرى اليوم، ، دافع الرجُل عن موقف المبنى الذى أشار إليه فى كتاباته بـ«مشروع إنشاء مُلحق مبانى معهد ناصر»، مُتحفّظًا على استخدام توصيف «الفندقة» الذى اعتبر أنه أثير إعلاميًا لغرض تشويه وتشويش وظيفة المبنى.
بتولى حكومة كمال الجنزورى، تبنت الوزارة رؤية تنموية بعيدة المدى، أفضت أخيرًا فى القطاع الصحى، وبالأخص فى «معهد ناصر»، إلى ارتفاع عام فى كفاءة الخدمة الطبية المقدمة إلى أعلى مستوياتها، متمخضةً عن بلوغ الإشغال بالمعهد ما نسبته 100%، فضلاً عن قوائم انتظار خلقت «حاجة ماسّة» حسب تعبيره لتأسيس الملحق التكميلى محل الجدل.
بكُلفة قدرها 40 مليون جنيه فى زمن التأسيس ارتفعت عمدان المُلحق التكميلى لمعهد ناصر، فضلاً عن المعاناة اليومية لأهالى المرضى الأجانب الذين يتلقون العلاج بمعهد ناصر، الأمر الذى حدا به لاستصدار القرار الوزارى بتدشين عنابر إقامة للمرضى، وربطها معماريًا بالمستشفى الأم عام 2000 على وجه التحديد، ليستلهم المبنى فلسفته ومعماره من مركز العجوزة الطبى التابع للقوات المُسلحة.
بحسب مقال سلّام، تحتوى السجلات الوزارية لوزارة الصحة على مُذكرة إنشاء خاصة بالمبنى الجديد، فضلاً عن مستندات مناقصة الإنشاءات التى تمت على النسق الحكومى المعتاد، ليمتلك المبنى على إثرها كودا خاصا به فى التخطيط.
«شهادة ميلاد» الوزير الأسبق تُحدد بشكل واضح ملامح المبنى على النحو التالى، فهو مبنى مكوّن من 12 طابقا مُشيدة على نسق معمارى دائرى، وتتنوّع الأدوار الوظيفية لطوابقه على طابقين للتأهيل الطبيعى، وطابقين للخدمات، ليتبقى ثمانية أدوار مُخصصة لما أشار له الوزير بـ«إسكان المرضى»، موزعة على 2290 غرفة، من بينها 19 جناحًا خاصًا. تبلُغ مساحة المبنى العملاق نحو 30 ألف متر مُربع، ويُقدِر سلام حجم الإنجاز فى تطوُر البناء والتجهيز بنهاية عهده بنحو 80%، بتكلفة لا تزيد على 45 مليون جنيه مصرى.
وفق حسابات سلّام، موقف مشروع الملحق التكميلى وتوفير الموارِد لاستكماله لم يكُن وقفًا على استمراره فى الوزارة، فبخبرته الوزارية، وحسابات زمن الإنشاء 5 ملايين جنيه فقط كانت كافية للانتهاء من أعمال البناء والتجهيز، المبلغ الذى كان من الممكن تدبيره من بنود الأورام والمستشفيات والإسعاف الطائر بميزانية الوزارة لحساب ما اعتبره «مشروعًا قوميًا» من شأنه إدخال 100 مليون جنيه سنويًا إلى خزانة الدولة، كدخل صافى من الملحق التكميلى لمعهد ناصر.
فى مارس الماضى شارك وزير الصحة الأسبق، عوض تاج الدين، فى مؤتمر مصر والسياحة العلاجية فى مدينة شرم الشيخ بجنوب سيناء، والمُنتهى بقائمة من التوصيات أبرزها إنشاء هيئة قومية للسياحة العلاجية، يفسر «تاج الدين» سبب الحاجة للكيان المُقترح: «إمكانيات مصر وبنيتها التحتية الطبية والاستشفائية تسمح لها بحجم أكبر مما تتلقاه من سياحة علاجية».
يرجع الوزير الأسبق حصول مصر على نصيب محدود من السياحة العلاجية إلى غياب التنسيق الدائم فى هذا الاتجاه، ما جعل جمهور مصر من طالبى الاستشفاء مُقتصرا على رحلات الأفراد الخاصة غير المدفوعة بدعاية مُنظمة أو جداول رسمية دورية، ما حرم مصر من مليارات الدولارات الموجهة للسياحة العلاجية فى منطقة الشرق الأوسط وعلى الامتداد الأفريقى، وبوصف معهد ناصر مركزا طبيا مؤهلا لتقديم خدمات السياحة العلاجية بمكوناتها الطبيعة والدوائية والاستشفائية، يُعتبر وجود الفندق فى المنطقة أكثر أهمية، كما يرفض وصفه بمكان غامض أو غير ذى جدوى: «هو مش غامض ولا حاجة، الفكرة كلها إنه محتاج جهة تتبناه».
يعتبر وزير الصحة الأسبق أن الهدف الرئيسى من بناء الفندق كان توفير مساحة خاصة للنزلاء من المرضى وذويهم أثناء مُتابعة مراحل العلاج المُختلفة: «مش لازم سرير المستشفى يفضل طول الوقت مشغول ممكن يفضى علشان مريض آخر» بذلك يمكن استقبال المرضى فى غرف فندقية أثناء متابعة العلاج دون المُساهمة فى زيادة قوائم الانتظار للأسرة: «وفى الحالة دى مش لازم معهد ناصر اللى يدير المكان»، يُرجح «تاج الدين» إمكانية أن تُسند إدارة الفندق لشركة مُتخصصة، تتولى تفاصيل إقامة المرضى.
عام 2013 تولت مها الرباط منصب وزير الصحة، غير أن مبنى معهد ناصر التكميلى لم يحتل موقعًا متقدما على قائمة أولوياتها: «إحنا كنا فى فترة انتقالية، بشكل عام كنا بنعد العدة للى جاى بعد كده»، على ذلك تؤكد جاهزية معهد ناصر ليُصبح قبلة للسياحة العلاجية فى المنطقة رجوعًا لتاريخه وجودة خدماته»، وتوصى «الرباط» بضرورة وضع المبنى فى الاعتبار لدى تشكيل أى مُخطط تكاملى للسياحة العلاجية المصرية بوصفه نواة يجب الوقوف على أسباب تراجعها: «لو عاوزين نعمل مخطط تكاملى للسياحة العلاجية لازم نعرف إن البذرة موجودة عندنا ومازالت قابلة للتحقق».
المستشار رأفت يوسف القاضى بالمحكمة الاقتصادية قال إنه فى كل الحالات وبغض النظر عن الأسباب التى عطلت عمل المبنى فإن بناءه يعد إهدارا للمال العام، ويستوجب التحقيق الجنائى مع المسؤولين عنه باتهامات تتعلق بإهدار المال العام، وقال إنه يستوجب أن يتقدم شخص ما ببلاغ إلى النيابة العامة للتحقيق، أو أن تقوم الرقابة الإدارية من تلقاء نفسها بفحص أوراق المبنى وأسباب تعطيله طوال كل تلك السنوات. وكشف مصدر أمنى بالرقابة الإدارية إنهم بالفعل وصلهم شكوى من المبنى وتعطيله وجار فحص الأوراق والتعرف على أسباب تعطل العمل فى المبنى ومن المسؤول عن ذلك، وقال المصدر إنه فى حال ثبوت وقوع جريمة إهدار المال العام سوف يتم تحويل الواقعة للنيابة العامة لبدء التحقيق ومحاسبة المسؤولين.