تعني كلمة عمران في لغتنا العربية ما يعمر به الأرض، وتطلق على كل ما عمرت به من زراعة وسكن ومباني ومستقرات بشرية وتجمعات حضرية،والعمران الحضري هو ذلك العلم الذي يهتم بدراسة العلاقات المكانية، والبيئة الحضرية والسكان وعلاقتها ببعضها البعض مع الاهتمامبالأنشطة الاقتصاديةوالوظيفية وتركيب المدينة الداخلي، ويمكن تقريب هذا المفهوم بأن العمران يظهر عندما يسكن البشر منطقة لم تكن مسكونة من قبل كما حدث في بعض المناطق الصحراوية والتي أصبحت الآن مناطق مسكونة ومأهولة، وحدث ذلك بكثير من محافظات الصعيد وبمحافظة سوهاج،وهذا المقال وما سيتبعه من مقالات متخصصة ستهتم بنشر علوم العمران والتنمية الحضرية والتي تعني بتنمية تلك المناطق التي تم تنميتها سواء كانت قرىأو مدن، وسنتطرق لتحليل المتغيرات المختلفة في التنمية ومعالجة مشكلاتها وذلك في اطار مبسط دون تعقيد حتى يصل إلى المتخصصين وغير المتخصصين.
وهذا المقال هو الأول في تلك السلسة والذي نتعرف فيهعلى ماهية العمران ؟ وما هو العمران الحضري؟ والمصطلحات المرتبطة بهما.
كانأول من عَّرف علم العمران ووضع لبنته الأولى من العلماء العرب هوالمؤرخ العظيم ابن خلدون وذلك في القرن الرابع عشر الميلادي، وقد عرفه على أنه “العلم الذي يهتم بدراسة الاستيطان البشري والمجتمع وأطلق عليه علم الاجتماع البشري”، وقد ذكر في كتابه “العبر وديوان المبتدأ والخبر” أن علم العمران هو “علم اجتماعي كونه مرتبط بالطبيعة الاجتماعية للبشر، والبشر كائنات اجتماعية لا تعيش منفردة ولكنها تعيش في مجتمعات تحصل على منافعها الحياتيةعبر اجتماعها مع أقرانها في مستقرات بشرية تلك المستقرات تتطلب تنظيماً اجتماعياً وقوانين منظمة تحكم هذا العمران”، ولقد اسهب ابن خلدون في ذكر أنواع العمران من عمران حضري وبدوي والفرق بينهما في الاستقرار والتنقل والأعراف المجتمعية المنظمة لكل منهما.
لقد تطور علم العمران وارتبطت به علوم أخرى مختلفة سواءً علوم اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية، كذلك ظهر علم التخطيط العمراني وهو الأسلوب العلمي الذي يهدف إلى تقديم الحلول للمشكلات الحالية أو المتوقعة للمجتمع، فعلى سبيل المثال علم التخطيط هو الذي يُستخدم في وضع تصور للمدن الجديدة “مثل مدينة سوهاج الجديدة وتخطيطها” وكذلك في حل المشاكل داخل المدن القائمة “كإعادة تخطيط وتنفيذ كورنيش سوهاج الحالي” لحل مشكلة عمرانية أو مرورية أو تحسين الواجهة النيلية بالمدينة.
وكلذلك يتم في إطار خطة منظمة ذات سياسة وأهداف واضحة، خلال فترة زمنية محددة، تأخذ في الاعتبارالإمكانيات والموارد المتاحة.
والتخطيط العمراني له مستويات عدة بداية من التخطيط الاستراتيجي على مستوى الدول أو التحالفات الدولية، مثال ذلك بأن تضعالدولة خطة للعمران تحققها خلال عدة سنوات كما تقوم مصر الآن بوضع خطة التنمية المستدامة لمصر 2030.
ويليه التخطيط الإقليمي والذي يهتم بتخطيط أقاليم الدولة، والإقليم هو مجموعة من المحافظات التي تتكامل فيما بينها اقتصادياً وجغرافياً، وتنقسم مصر إلى سبعة أقاليم اقتصادية منها إقليم جنوب الصعيد، الذي يضم محافظات أسوان والأقصر والبحر الاحمر وسوهاج وقنا ، يليه تخطيط المدن الذي يهتم بتخطيط المدينة نفسها كتخطيط مدينة سوهاج أو سوهاج الجديدة، يليه التخطيط التفصيلي للأحياء داخل كل مدينة، وينتهي بالتصميم العمراني لجزء أو استعمال داخل الحي ويكون أكثر تفصيلاً نصل فيه إلى أبعاد المبنى وما يحيط به.
تهتم دول العالم جميعها من قديم الأزل بعمرانها وتنمية مجتمعاتها كل على حدة، وكان أول إطار لجمع شمل العمران الحضري عالمياً ووضع أهداف ورؤى دولية مرتبطة به ما قامت به الجمعية العمومية بالأمم المتحدة عام 1975مبإعلان أول هيئة رسمية بالأمم المتحدة “منظمة الامم المتحدة للمستوطنات البشرية – الموئل ” والمعروفة باسم”الهابيتات”، وهي منظمة تهتم بقضايا العمران والتوسع الحضري والتنمية الحضرية والعمرانية بشكل عام ، عبر تقديم الدعم المالي والفني للدول خاصة الدول النامية منها وذلك لتحسين أدائها الحضري، وتقود تلك المنظمة الأداء الحضري الفني في العالم عبر طرح العديد من المبادرات التنموية وعقد المؤتمرات والمنتديات الحضرية بدأت عام 1976م بكندا بمنتدى الموئل الأول وانتهت بالمنتدى الحضري الثالث الذي عقد بالأكوادور عام 2016م.
بين هذه المنتديات طرحت المنظمة العديد من المبادرات لتنمية المجتمعات العمرانية مثل الأهداف الإنمائية الثمانية وهي مجموعة أهداف تسعى دول العالم لتحقيقها في عمرانها ومدنها مثل القضاء على الجوع والقضاء علي الفقر…الخ، ظهرت بعدها أهداف التنمية المستدامة التي تنتهي مدتها الزمنية في عام 2030م بهدف تحقيق تنمية عمرانية مستدامة بالمدن العالمية،وكلمة مستدامة تعني متواصلة أي تنمية تستغل امكانيات المدينة مع الحفاظ على هذه الموارد والإمكانيات من الاستنزاف ليستفيد بها الاجيال القادمة.
وهناك العديد من المبادرات المرتبطة بالعمران والتنمية العمرانية والحضرية مثل التنمية المستدامة ومفاهيمها ووضعها في مصر والنسق العمراني المصري ومحاولات الخروج من الوادي الضيق إلى باقي ربوع الوطنوكذلك التطرق لمفاهيم جودة الحياة وملائمة العيش داخل المدن المصرية ومدن الصعيد ومشاكل تطبيقها لتحقيق مدن ومجتمعات ملائمة وصحية وآمنة لسكانها وهو ما سنتعرض له بالتحليل والدراسة فيما سيتبعه من مقالات.
حفظ الله مصر…
• خبير التخطيط العمراني والمراصد الحضرية
aref_attia@yahoo.com