قال الدكتور أحمد المنظري، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، إنه بعد عقود مرت دون حالة كوليرا واحدة، جاءت الفاشية التي أُعلن عنها موخرا في لبنان وسوريا لتشير إلى عودة مشؤومة للكوليرا في هذين البلدين.
جاء ذلك خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية حول تطورات وضع الكوليرا في الإقليم.
وأكد المنظري، أن تلك العودة تأتي ضمن نمط متفاقم في جميع أنحاء الإقليم والعالم، حيث يئن ثمانية بلدان من بين 22 بلدًا في الإقليم تحت وطأة فاشيات الكوليرا والإسهال المائي الحاد.
وذكر أنه على مستوى العالم، هناك 29 فاشية للكوليرا حاليا، وهو أعلى رقم مسجل في التاريخ، ويمكن أن تنتقل الكوليرا من بلد إلى آخر، لذلك فإن الفاشيات الحالية تعرض البلدان المجاورة لخطر متزايد وتؤكد الحاجة إلى مكافحة الكوليرا على وجه السرعة، وهذا جرس إنذار لنا جميعا.
وأوضح أنه نظرا للظروف التي يمر بها الإقليم، ومنها عدة طوارئ إنسانية وصحية معقدة وصراعات مستمرة منذ وقت طويل وضعف البنية الأساسية للمياه والصرف الصحي وتدهور الأوضاع الاقتصادية، فإن الكوليرا يمكن أن تنتشر سريعا.
وقال إن هناك عاملا آخر ساهم في عودة ظهور الكوليرا، ألا وهو تغير المناخ الذي يتضح في الظروف المناخية الشديدة، مثل الفيضانات والجفاف والأعاصير، التي ضربت عدة بلدان، فحالات الجفاف التي يزداد انتشارها في جميع أنحاء إقليمنا تحد من توفر المياه النظيفة وتهيئ بيئة مثالية لانتشار الكوليرا.
وتابع المنظري أنه لا يعقل أن تحدث فاشيات الكوليرا في إقليمنا في القرن الحادي والعشرين، ومن غير المقبول أن يموت الناس بسببها، وينبغي أن تتوفر المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي المناسبة للجميع، لأنها حق أساسي لكل إنسان.
وأضاف أن معظم البلدان المتضررة من تفشي الكوليرا في الإقليم من الدول التي تعاني من ضعف البنية الأساسية للمياه والصرف الصحي، مع عدم وجود استثمارات ذات قيمة في تلك البنية الأساسية في السنوات الأخيرة، كما تسهم في هذا التفشي ندرة المياه، وهي أيضا نتيجة للجفاف كما ذكرنا.
وقال إن هناك حاجة ماسة إلى جهود عاجلة تشترك فيها جميع الجهات المعنية، مع التنسيق الجيد فيما بينها، للسيطرة سريعا على الفاشيات والوقاية من زيادة انتشار الحالات والوفيات داخل البلدان المتضررة وفي البلدان المجاورة.
وأكد أن تلك الجهود تركز على زيادة توفير المياه النظيفة ومرافق الصرف الصحي المناسبة، وتعزيز عادات النظافة الشخصية السليمة، والتوعية المكثفة، والاستعانة بالمجتمعات المحلية، وتعزيز الترصد من خلال الإنذار المبكر لاكتشاف الحالات بسرعة ومواجهة الوضع بفعالية.
وأشار المنظري إلي التدبير العلاجي السريري العالي الجودة للمرضى، الذي لا غنى عنه للحد من الوفيات، فالكوليرا مرض يمكن الوقاية منه وعلاجه تماما، وتتعاون المنظمة مع وزارات الصحة والشركاء في جميع هذه المجالات.
وأكد أن الارتفاع المفاجئ في فاشيات الكوليرا في الإقليم وحول العالم أدى إلى نقص حاد في اللقاحات ونتيجة لذلك، علق فريق التنسيق الدولي المعني بتوفير اللقاحات، الذي يدير المخزون العالمي من لقاحات الكوليرا، قائلا إن النظام المعياري للتطعيم بجرعتين في حملات مواجهة فاشيات الكوليرا، واعتمد بدلا منه نهج الجرعة الواحدة.
وتابع أنه يسمح باستخدام استراتيجية الجرعة الواحدة بتطعيم عدد أكبر من الناس وتوفير الحماية لهم على المدى القريب.
وقال إن هناك خطط لإجراء حملات للتطعيم الفموي ضد الكوليرا في كل من لبنان وسوريا خلال الأسابيع المقبلة، في حين نفذت باكستان مؤخرا حملات قبل الفيضانات الأخيرة وبعدها.
وتابع أنه رغم أن اللقاحات أداة بالغة الأهمية، فهي ليست التدخل الأساسي لمكافحة الكوليرا، والسبيل الأساسي للوقاية من الكوليرا هو توفير المياه المأمونة وخدمات الصرف الصحي، وعلاجها سهل بتعويض السوائل عن طريق الفم، ومعظم المرضى لا يحتاجون إلى دخول المستشفى، ولا يحتاج إلى المضادات الحيوية إلا الحالات الشديدة.
وأكد المنظري أنه رغم أن الكوليرا يمكن أن تسبب الوفاة، إلا أنها مرض يمكن الوقاية منه أيضا، ولهذا، علينا ألا نسمح بضياع المكاسب التي تحققت بشق الأنفس في مجال الصحة العامة خلال العقود الماضية لمجرد عدم توفر هذه التدخلات البسيطة للناس.