في حزيران 2007 وصل الاقتتال الفلسطيني الداخلي ذروة غير مسبوقة، انتهى بحدوث الانقسام. آنذاك، قالت حماس إنها اضطرت لهذه الخطوة لحسم صراعها مع فتح بالقوة، بعد أن استنفدت الوسائل الأخرى. لتُحكِم بذلك سيطرتها الكاملة على قطاع غزة، ولتبدأ أعوام من القطيعة بين غزة وبين رام الله.
وهكذا حدث الانفصال، وتشكلت حكومتان؛ الأولى في الضفة الغربية رأسها د. سلام فياض، والثانية في غزة رأسها إسماعيل هنية. وبذلك تعمق مأزق النظام السياسي الفلسطيني أكثر، فبعد أن كان يعاني من أزمة وجود سلطة برأسين (الرئاسة والحكومة)، أصبح يعاني من أزمة الانقسام ووجود سلطتين. ومن ناحية ثانية فإن هذا التحول أوصلَ الحركة الإسلامية إلى مربع الحُكم والسلطة، وهو المربع الذي وضعها بين مطرقة القيود الدولية واشتراطاتها، وسندان الحصار. وأدخل هذا الانتقال غزة بأكملها عهدا جديدا ومختلفاً.
يعاني أهالي غزة من وضع اقتصادي متردي جدا
التقارير الواردة من غزة تشير إلى أنه بسبب الحصار وتردي الأوضاع الاقتصادية نزلت شرائح اجتماعية عديدة تحت خط الفقر، فيما زادت معدلات الجرائم، وكذلك حالات التسرب من المدارس، وتراجع الوضع الصحي والغذائي، وشهدت الأسواق في أوقات كثيرة حالة من الركود، وبسبب غلاء المعيشة – الذي شمل المنطقة بأسرها – انخفضت القوة الشرائية للمواطن. ومن ناحية ثانية وبسبب الحصار أيضا تدهورت أحوال الزراعة التي كانت تشكل ما نسبته 70% من إجمالي الصادرات الزراعية للأراضي الفلسطينية، وصارت المنتجات الزراعية بالكاد تكفي السوق المحلية، عدا عن توقف وتعطيل 85% من المنشآت الصناعية والمشاريع الصغيرة عن العمل، كما سجلت نسبة البطالة أعلى معدل لها، فتجاوزت نسبة 50%، كما انخفضت حركة الواردات بنسبة 75%، عدا عن النقص الحاد في الوقود والكهرباء والأسمنت والحديد والكثير من المواد الأساسية. وأيضا شهد القطاع تراجع حجم الاستثمارات الداخلية وانعدام الخارجية. بالإضافة إلى توقف معظم المشاريع الممولة من الدول المانحة.
وتشير الإحصائيات إلى تراجع نسبة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني من 35% إلى 10%. بسبب استفحال التجارة غير الرسمية الواردة من الأنفاق، حيث أتت نتائج هذا النمط من التجارة مدمّرة، ولعل من أخطرها مقتل المئات من الشبان في حوادث متفرقة داخل الأنفاق، فضلا عن أسوأ مظاهرها الاجتماعية والمتمثلة بنمو فئات جديدة تعيش على هامش الاقتصاد الفلسطيني، دون إمكانية ضبطها أو السيطرة عليها، بالإضافة إلى نزوح عدد كبير من رجال الأعمال والمستثمرين، بعض التقارير أشارت لظهور نحو 1500 مليونير جديد في قطاع غزة خلال فترة حكم حماس، ممن كونوا ثرواتهم هذه عن طريق تجارة الأنفاق.
وهناك حوالي 115 ألف عامل معطل عن العمل في قطاع غزة منذ العام 2008. أما عن الورش الصناعية فمن أصل 3900 ورشة لم يتبق سوى 1000 ورشة قادرة على العمل، ومن أصل 950 معمل خياطة لم يتبق سوى 150 معملاً، إضافة إلى غلاء المعيشة الذي زاد بنسبة 200% وفاقم أوضاع العمال سوءاً.
الشباب في غزة تجد في الهجرة غير الشرعية حل وحيد للهروب من الموت داخل غزة
لم يعد ممكنا القبول بالأمر الواقع والسير في ركابه، بات هذا العنوان الأهم في حياة الشباب في غزة، الساعي إلى الهجرة هربا من آثار الحرب المدمرة والمتجددة والواقع الصعب، لتأمين حياة كريمة لهم ولعائلاتهم.
يرى عدد من الشباب الفلسطيني في غزة، أن الهجرة جاءت نتيجة للأوضاع الاقتصادية والسياسية، خاصة ما شاهدوه في الحرب الأخيرة التي طالت الأخضر واليابس -حسب قولهم- واستمرت 51 يوما سقط خلالها 2153 شهيدا وأكثر من 11 ألف جريح.ويتوقع خبراء اقتصاديون زيادة في أعداد الفقراء والمحرومين من الحياة الكريمة بفعل الحرب الأخيرة على غزة.
” محمد” اسم مستعار لشاب فلسطيني يستعد للهجرة من القطاع عبر معبر رفح البري إلى دول أوروبية يقول: “أسباب الهجرة كثيرة الوضع السياسي والاقتصادي والوضع المعيشي الذي يزداد سوءا حتى لو كان الدخل ثابتا”، مضيفا أنه يريد تأمين عيشة كريمة لعائلته المكونة من 5 أفراد”، مشيرا إلى الحرب الأخيرة دمرت كل شيء ولم يعد ممكنا البقاء في ظل هذا الخراب”.يضيف “في الحرب كل شخص كان يتوقع اللحظة التي تنهال فيها الصواريخ على منزله فالقصف طال كل البيوت ولم يعد هناك بيت بل قل لم يعد هناك وطن لأن الوطن اغتيل بدم بارد من الداخل والخارج”.يقول “سأتوجه خلال الأيام القليلة المقبلة الى دولة أوروبية إما بلجيكا أو السويد التي تعرف قيمة الإنسان والشهادات”.ويؤكد محمد: “ما في حد بيهاجر بطريقة شرعية الكل تهريب عبر الدول، مشيرا إلى أن الحرب جعلت حياة الفلسطينيين كلها في خطر”.
وحول تكلفة الهجرة، أوضح الشاب الفلسطيني أنها تقدر بحوالي 7 إلى 8 آلاف دولار، مشيرا إلى أن نحو 15 شخصا من أصدقائه هاجروا خلال فترة الحرب الى ايطاليا والسويد وبلجيكا”. يذكر أن غياب احصائية رسمية حول أعداد الشباب المهاجرين، يجعل من الصعب الكشف عن الرقم الحقيقي لأعداد الشباب المهاجر من غزة الى الخارج.
من جهته اعتبر الخبراء الاقتصاديين أن الحرب الأخيرة على غزة عمقت الأزمة الاقتصادية والمالية والصحية والاجتماعية للقطاع وتساهم في زيادة معدلات البطالة المرتفعة والتي بلغت قبل بدء الحرب الثالثة على قطاع غزة حسب بيانات الربع الثاني من العام 2014 الصادرة من مركز الإحصاء الفلسطيني 45 في المائة و تجاوز عدد العاطلين عن العمل أكثر من 200 ألف شخص وفقدان أكثر من 700 ألف مواطن في قطاع غزة دخلهم اليومي وهو ما يمثل أكثر من ثلث سكان قطاع غزة.هذا بالإضافة لارتفاع معدلات الفقر والتي بلغت 50 في المائة، وانتشار الفقر وظاهرة عمالة الأطفال بشكل كبير وأزمة الرواتب الأخيرة الخاصة بموظفي غزة حيث لم يتقاض أكثر من 40 ألف موظف رواتبهم على مدار عدة شهور متواصلة.
حماس تثير في عكس الاتجاه
لم تقدم «حماس» للقضية الفلسطينية شيئاً مما تهدف إلى تقديمه، بل على العكس، جاء دورها معرقلاً، يزيد المسألة تأزيماً، في ظل ارتباط الحركة بمحور «الهدم» في المنطقة، وتبنيها أجندات الدول الراعية للإرهاب. هذا ما يؤكده المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية اللواء نصر سالم، لـ «البيان»: «إن الدور الذي تقوم به «حماس» عقبة، لا سيما في ظل الانقسام الفلسطيني الراهن». وأوضح أن «حماس مرتبطة بأجندات خارجية، وهي محكومة بتلك الأجندات». ازدواجية الحركة محكومة بمصالحها والأجندات التي تعمل وفقاً لها، والتي لا تخدم الطرف الفلسطيني، بقدر ما تخدم الجانب الإسرائيلي، حتى إن سالم أفاد بأن حماس تقوم بدورٍ مرسوم لها من قبل إسرائيل، سواء عن قصد أو بدون، ذلك أن الحركة مرتبطة بتلك الأجندات، مع دول إقليمية لها علاقاتها ومصالحها.
ومنذ تسعينيات القرن الماضى ارتبطت حركة حماس بالمحاور الإقليمية، وباتت توجه سلاحها لمن يدفع أكثر، فتارة تميل إلى إيران وسوريا اللتين دعمتا حماس بكل ما تحتاجه من مال وسلاح، بل واستضافت طهران ودمشق أبرز قيادات حماس ومنهم خالد مشعل ووفرت لهم ملايين الدولارات ظنا منهما أن الحركة تحمل راية المقاومة الفلسطينية.
وانقلبت حركة حماس على سوريا بعد أحداث عام 2011 ودعت عناصرها للمشاركة فى محاربة الجيش السورى، وتمتلك قيادات حركة حماس ثروات طائلة تمكنوا من حصدها بالمتاجرة بقضية فلسطين والمقاومة، فالحركة لا تملك أى قدرات تمكنها من المواجهة، وإنما أسلحة محدودة الإمكانيات تمكنها من ترويع أهالى غزة وترهيب الفصائل المسلحة الأخرى فى غزة، والتى ترفض بعض سياسات حركة حماس القائمة على الحكم الفردى من الحركة للقطاع.