كشف مسؤولون ألمان لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، عن أن زعيم الجماعة اليمينية المتطرفة “مواطني الرايخ”، التي تمكنت السلطات الألمانية من تفكيكها الأسبوع الماضي، التقى دبلوماسيين روس، فيما يعتقد المحققون أن اللقاء لم يكن سوى “محاولة فاشلة” للحصول على دعم للإطاحة بالحكومة.
وكان الأمير هنريش الثالث عشر (رويس) الذي ألقي القبض عليه مع 24 شخصاً آخرين بعد تحقيق امتد لعدة أشهر على خلفية تدبير مؤامرة لارتكاب هجمات مسلحة على مبنى البرلمان الألماني، اتصل بالقنصلية العامة الروسية في مدينة لايبزيج، والتقى دبلوماسيين هناك خلال حفل استقبال بمناسبة العيد الوطني لروسيا، بحسب الصحيفة.
وقال المسؤولون إن تاجر العقارات الذي يبلغ من العمر 71 عاماً، والذي ينحدر من عائلة أرستقراطية صغيرة يعود تاريخها إلى القرن الثالث عشر، اتصل بالقنصلية عبر صديقته، وهي مواطنة روسية اسمها فيتاليا التي ألقي القبض عليها أيضا ضمن المتورطين.
يأتي ذلك، فيما أفاد محققون ومشرعون اطلعوا على بعض التفاصيل الخاصة بالتحقيق للصحيفة الأمريكية، بأن التنصت على الاتصالات اللاحقة بين المشتبه بهم من قبل المحققين “لم يقدم أي دليل على أن الروس قدموا أي نوع من الدعم”.
وخلال فترة التحقيق، الذي بدأ في نوفمبر من العام الماضي، قام المحققون بالتنصت على مئات الهواتف وأجهزة الكمبيوتر وقنوات التواصل الاجتماعي والحسابات البنكية والمعاملات المصرفية، إلى جانب تدابير المراقبة السرية الأخرى.
من جانبه، نفى مسؤول في السفارة الروسية أن يكون لأي ممثل دبلوماسي لموسكو “أي اتصالات عن علم بمتآمرين أو تنظيمات إرهابية في ألمانيا”، فيما أشارت الصحيفة إلى أن المسؤول “لم يجب عن أي استفسارات بشأن اجتماع في القنصلية”.
وألقت السلطات الألمانية الأسبوع الماضي على 25 شخصا من حركة “مواطني الرايخ”، ومن بين المعتقلين قاضية كانت عضواً في البوندستاج عن “حزب البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي، وجنود سابقون، وأرستقراطيون، وأعضاء سابقون في الشرطة.
وقال المدعي العام الألماني بيتر فرانك، إن خطة المعتقلين الخمسة والعشرين والعشرات من أنصارهم واضحة: “على حد علمنا، وضعت المجموعة لنفسها هدف القضاء على النظام الديمقراطي الحر القائم في ألمانيا، باستخدام العنف ووسائل عسكرية”. وأشار إلى أن “المشتبه بهم خططوا لاقتحام البرلمان الفيدرالي وهم مدججين بالسلاح”.
ونقلت الصحيفة عن المسؤولون الألمان قولهم إن الأمير هنريش استخدم مسكنه الصغير، الذي يشبه القلعة في ولاية تورينجيا، في شرق ألمانيا، كمقر لاجتماعات المتآمرين، لافتين إلى أن قيادات المجموعة تأثرت بدرجة كبيرة بجماعة “كيو أنون” التي تؤمن بنظرية المؤامرة.
ونشر البعض، مثل المشرعة السابقة بيرجيت مالساك وينكمان، التي شغلت منصب قاضٍ رفيع حتى ألقي القبض عليها الأسبوع الماضي، محتوى “كيو أنون” على قنوات التواصل الاجتماعي الخاصة بها، وفقاً لما قاله المحققون.
واعتمدت المجموعة على التعاليم الباطنية وعلم التنجيم للتخطيط لانقلابها، والذي تضمن نقاشات بشأن اقتحام البرلمان الألماني، والقبض على سياسيين بارزين أو قتلهم، ولهذا الغرض أعدت الجماعة قوائماً بأسماء القادة السياسيين والصحافيين وشخصيات عامة أخرى.
وأشارت وول ستريت جورنال إلى أن “أحد المشتبه بهم يعمل كتاجر مرخص للأسلحة”، إذ صادرت الشرطة نحو 200 قطعة سلاح من البضاعة التي يمتلكها، رغم أنه لم يتضح بعد ما إذا كان من المفترض استخدامها في تلك المؤامرة، كما عثر المحققون أيضاً على كميات صغيرة من الذهب والفضة، إضافة إلى المخدرات.
وجمعت المجموعة تبرعات استخدمتها بعد ذلك لشراء بعض المواد، مثل الهواتف المتصلة بالأقمار الصناعية، ومولدات الكهرباء، وحافلة تخييم، وغيرها من الأشياء التي خططوا لاستخدامها في حال تعطل شبكات الكهرباء والاتصالات نتيجة الثورة المسلحة في ألمانيا التي كانوا يأملون في تدشينها، وفقاً للمسؤوليين.
وتنازعت المجموعة بشأن من سيتم تعيينه في الحكومة الشبيهة بالمجلس العسكري التي اعتزموا تشكيلها بعد إسقاط تحالف المستشار أولاف شولتز، إذ قال المحققون إن بعض المناصب العليا تضمنت الإشراف على الأمور الروحية والباطنية.
وأضاف المحققون أن أعضاء المجموعة اشتركوا أيضاً في اعتقاد يُعرف باسم “الاتصال التحولي”، والذي يفترض أن التسجيلات الصوتية والمرئية والبث تتضمن أحياناً رسائل سرية من عالم مواز، تعبر عن نفسها بأصوات بالكاد تسمع”.
يأتي ذلك، فيما دعا خبراء ألمان، إلى مواجهة مؤامرة الإرهاب اليميني المتطرف في ألمانيا، بعد القبض على الخلية، محذرين في الوقت نفسه من التقليل من شأن الموقوفين والمرتبطين بهم من العسكريين. “المجموعة خطيرة للغاية”.
ونقلت الشبكة الألمانية عن الخبير بالإرهاب بيتر ر. نيومان، إن “حركة مواطني الرايخ ككل قادرة ولديها النية في تنفيذ هجمات إرهابية خطيرة ضد الدولة”.
وقال أندرياس زيك، رئيس معهد بحوث الصراع والعنف في جامعة بيليفيلد، لدويتشه فيله، إن “مواطني الرايخ” ركزوا على موضوعات مثل الحرية والمقاومة وبذلك اندفعوا إلى التيار الرئيسي للمجتمع: “جمعت احتجاجات كورونا مجموعات مختلفة من الطبقات الوسطى، والشعبويين اليمينيين، والمتطرفين اليمينيين، والمؤمنين بنظريات المؤامرة، والمؤمنين بأيديولوجيات المقاومة
والحرية”.
يضيف زيك، “هم ليسوا شخصيات اجتماعية هامشية، لم يكن بين المقبوض عليهم متطرفون يمينيون مرضى نفسيين ضلوا الطريق… ما يوحدهم جميعاً هو رفض الدولة الديمقراطية”.
ويضيف: “المجموعة مكونة من مجموعات أصغر، يمارس أفراد كل مجموعة مهنة بعينها، وينتقلون من المركز إلى الهامش ويمكنهم بناء مجتمع مواز هناك. لذا فهم قادرون على تطوير بيئة مغلقة على مر السنين عن طريق التحالف مع مجموعات أخرى”.
فيما أوصى المتحدث باسم السياسة الجنائية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، سيباستيان فيدلر، بالإقلاع عن تقسيمهم إلى مجموعات: “كلهم ليسوا من مواطني الرايخ، وليسول متطرفين يمينيين تقليديين، بل ما أسميه منذ فترة مؤامرة التطرف، وبشكل أدق مؤامرة الإرهاب اليميني”.
ودعا فيدلر، الحكومة الألمانية إلى التصدي لتلك المجموعات، قائلا إن “الدولة والسياسة يفهمان الآن جيداً آلية عمل التطرف اليميني ونظيره الإسلاموي وقد وضعوا برامج للتصدي لهما. لكن في التعامل مع مؤامرة الإرهاب اليميني، لم نصل بعد لمرحلة متقدمة في فهمها”.