خليل موسى _ دمشق
على ما يبدو أن السوريين خلال سنوات الحرب على بلادهم، وبعد هذا الزلزال المدمر أيقنوا أنهم وصلوا مرحلةَ “إقلع شوكك بيدك”، و “قيصر” القانون العالمي الظالم للشعب السوري، “زاد من بلل الوحل” في حياتهم، فلا منفَذَ يُدخل ما يكفي من أجل إغاثة المتضررين في البلاد جراء زلزال فبراير المدمر سوى بعض من دول الجوار، وليس جميعها.
السوريون هنا شعروا، ومنذ اللحظة الأولى بعد الزلزال بواجبهم تجاه أهلهم، إذ هبّوا مباشرة من كل فئات المجتمع، كباراً وصغاراً، تكاملت الصورة الشعبية داخل الجغرافيا السورية بكل مكوناتها، كل المحافظات هرعت لإيصال ما يمكن من مساعدات، وبشكل أدق ما يتوفر منها، فأضحت الطرقات باتجاه محافظات الساحل والشمال السورية، أشبه بشريان الحياة للمتضررين .
12 سنة من الحرب. سعر الصرف في سوريا تجاوز رسمياً حاجز 7000 ليرة سورية للدولار الواحد، شحّ كبير في سوق العمل، وشحّ أكبر في المواد الغذائية والتموينية، إضافة لنقص في متطلبات الحياة الأساسية من محروقات وكهرباء. طبعاً هذا جزء مختصر من شرح الوضع في سورية، والوضع المأساوي لسكانها.
الصورة الداخلية في سورية بُعيد الزلزال بساعات قليلة، كوّنها أكثر من 450 جهة غير حكومية، جلّهم من الجمعيات الخيرية، وقسم كبير منهم عبارة عن فرق تطوعية قوامها الشباب وطلاب الجامعات، ولا يمكن إغفال دور الأطباء المتطوعين وغيرهم ممن ساهموا في العمل التطوعي الداخلي، الذين أحيوا وجه العمل التكافلي.
اللافت كان في هذه المبادرات أنها لم تقتصر فقط على الفرق التطوعية، لأنه من الطبيعي أن قوام المساعدات التي وصلت للمناطق المنكوبة لا يمكن تأمينها من متطوعين بإمكانياتهم، البسيطة.
من المسح والرصد الذي تم خلال هذان الاسبوعان جاء تفنيد التطوع إلى أقسام، الأول من خرج يشارك للمساعدة في عمليات الإنقاذ، وهنا شباب ورجال جاؤوا بأكفهم وأذرعهم، أي الجهد الجسدي مع معدات بسيطة ريثما وصلت المعدات المطلوبة وبقسم منها فقط مع وصول فرق الانقاذ التي وصلت من دول عربية وبعضٌ قليل من الأوربية والأسوية. وعددها كان 17 دولة فقط شاركت بجهود الإنقاذ آنذاك.
في الوقت ذاته، انطلقت الجهود المحلية في جمع التبرعتات الأهلية، حيث قدم الاهالي ما يمكنهم من مواد عينية ونقدية، شملت ألبسة وأطعمة وبعض المبالغ التي تم شراء المواد الغذائية فيها، وهذا ما دعم عمل الفرق التطوعية والجمعيات الخيرية.
المثير للجدل عند كثيرين من خارج سورية ممن يراقبون العمل التكافلي غير المنظم من قبل الحكومة، إنما منظم بدافع شخصي من كل مواطن شارك في العمل التطوعي، حيث اكتظت مقرات الفرق التطوعية والجميات بالمواطنين، وهذا الجدل الخارجي أتى للاستفسار كيف تمكن السوريون من دعم بعضهم في ظلّ كل هذه الظروف المأساوية على حياتهم خلال الحرب والحصار ونقص في كل شيء، علاوة على كونهم بنسبة عالية جداً منهم تحت خط الفقر بنسبة كبيرة.
الجواب على هذه الجدلية بسيط جداً، فإنّ سكان هذه البقعة الجغرافية الشاملة لبلاد الشام وعدد من الدول العربية الأخرى منها مصر والجزائر وتونس، يتصفون بالكرم والشعور بالغَير، وهذا ما يندرج تحت صفة النخوة، أو الشهامة التي لم يفقدوها رغم جور الزمان عليهم.
قانون قيصر
كما زاد من شعورهم و وصولهم لمرحلة تقاسم الرغيف والضماد والملبس والمفرش، فيما بينهم – وهنا القصد على الشعب السوري- هو إدراكهم الكبير بأنهم بقيوا لوحدهم تحت الحصار، حصارٌ شمل كل الجهات، الحكومية منها وغير الحكومية أيضاً، مما أعاق وصول التبرعات من كثير من دول العالم وهنا الإشارة للجهات الصديقة غير الحكومة في الدول الأوروبية، وكل هذا بسبب مفاعيل قانون قيصر الذي قضى بحكمٍ ظالمٍ على الشعب الفقير في بلاد أنهكتها الحرب.
إن نقص المواد لدى الغالبية العظمى من الشعب نتيجة مشاركة ما لديهم مع المتضررين، جعل أكثر من 5 حتى 9 ملايين سوري بحاجة كبيرة لمساعدات مستعجلة، لعلها تعينهم على الوضع الكارثي الذي طرأ على بلادهم، وإلا سيبقون فيما هو مفروض عليهم والمعنى “إقلع شوكك بيدك أيها السوري”، طبعاً لا بدّ من التنويه أن الجمعيات استنفذت كل موازنتها للعام 2023 في هذه الكارثة الطبيعية في بلد غير مجهز لمثل هكذا ظروف.