الإمام الشافعي هو عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ المطَّلِبيّ القرشيّ وهو ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي، ومؤسس علم أصول الفقه ، من الأعلام الذين أناروا طريق الهداية وخدموا علوم الدين بكل ما أوتوا من نية صالحة.
هاجر الشافعى إلى المدينة المنورة طلبًا للعلم عند الإمام مالك بن أنس، ثم ارتحل إلى اليمن وعمل فيها، ثم ارتحل إلى بغداد سنة 184 هـ، فطلب العلم فيها عند القاضى محمد بن الحسن الشيبانى، وأخذ يدرس المذهب الحنفى، وبذلك اجتمع له فقه الحجاز (المذهب المالكى) وفقه العراق (المذهب الحنفى).
ثم عاد الشافعى إلى مكة وأقام فيها تسع سنوات تقريبًا، وأخذ يُلقى دروسه فى الحرم المكى، ثم سافر إلى بغداد للمرة الثانية، فقدِمها سنة 195 هـ، وقام بتأليف كتاب الرسالة الذى وضع به الأساسَ لعلم أصول الفقه، ثم سافر إلى مصر سنة 199 هـ.
وتوفى الإمام الشافعى بالقاهرة عام 204 هجريا، ودفن فى ضريحه بعد أن صلت عليه السيدة نفيسة حسب وصيته وكان يجلها ويحترمها ويسألها الدعاء وخاصة عندما يمرض وكان كثيرا ما يمرض على أنه رغم ضعف جسده تميز بقوة الإيمان والتبحر فى العلم وعرف بالصلاح الشديد فلقبه الصوفية بالوتد وكان بالفعل وتدا فى الفقه والدين والعبادة رحمه الله رحمة واسعة.
والي مصر وقت قدوم الشافعي
كان المطلب بن عبد الله الخزاعي والي مصر وقت قدوم الشافعي ولاه المأمون على مصر صَلاتها وخَراجها، دخلها من مَكَّة 15 ربيع الأوَّل سنة 198 هـ، فأقرّ هُبَيرة بْن هاشم بْن حُدَيج عَلَى الشُرَطة، ثمَّ عزله فولَّى محمد بْن عَسَّامة بن عمرو المَعافريّ، ثمَّ عزله وولَّى عَبْد العزيز بْن الوزير الجَرَويّ، ثم عزله وولَّى إبراهيم بْن عَبْد السلام بْن إبراهيم بْن الهَيْثَم الخُزاعيّ، ثمَّ عزله فولَّى هُبَيرة بْن هاشم بْن حُدَيج، واستقبله السَّريّ بْن الحكَم. وبلغ المُطَّلب مسير ربيعة بْن قَيس إلى يَزيد بْن خَطَّاب ليجتمعا عَلَى حربه بأسفل الأرض، فعقد لعبد العزيز الجَرَويّ وبعثه إليهم، فالتقوا بشَطَنُوف وكانت بينهم قَتْلى، وبعث المُطَّلب بالسَّريّ بْن الحَكَم، فكان مُقيمًا بالحَوْف، وتفرَّقت قيس وسكن أمرهم.
واستولى بُهلول اللَخْميّ عَلَى الإسكندريَّة فِي وِلاية عَبَّاد، فلمَّا قدِم المُطَّلب ولَّى عَلَى الإسكندريَّة حُدَيج بْن عَبْد الواحد بْن محمد بْن عبد الرحمن بْن مُعاوية بْن حُدَيج، فخرجت بنو مُدِلج بالإسكندريَّة، فبعث إليهم المُطَّلِب بأخيه هارون، فانهزم هارون، ثمَّ صُرف المُطَّلِب عَنْهَا فِي شوَّال سنة 198 هـ، كانت وِلايته عليها سبعة أشهُر ونصفًا. وخلفه العباس بن موسى العباسي، ثم ثار الجند عليه، ولِيَها المُطَّلِب بْن عبد الله الثانية بإِجماع الحُند عَلَيْهِ 14 محرم سنة 199 هـ، فبايعوه فجعل عَلَى شُرَطه أحمد بن حُوَيّ بْن حُوَيّ، ثمَّ عزله وولَّى هُبَيرة بْن هاشم بْن حُدَيج، وهرب الجَرَويّ إلى تِنّيس، وانضم عبد الله بْن الْعَبَّاس بْن مُوسَى إلى عَبَّاد بْن محمد، فأَواه ومنع منه، وانضمّ الْأَنْصَارِيّ إلى المُطَّلِب، وأقبل العبَّاس بن مُوسَى بْن عيسى من مَكَّة إلى الحَوْف، فنزل بُلبَيس ودعا قيسًا إلى نُصرته، ثمَّ مضى إلى الحَرَويّ بتِنِّيس فشاوره، فأشار عَلَيْهِ أن ينزل دار قَيس، فرجع العبَّاس إلى بُلْيَس يوم الأحد 17 جمادى الآخرة سنة 199 هـ، فيقال: إن المُطَّلِب دسّ إلى قيس، فسمُّوا الْعَبَّاس فِي طَعامه، فمات ببُلْبَيس في 22 جمادى الآخرة سنة 199 هـ.
وأقبل عبد الله بْن مُوسَى إلى مِصر طالبًا لدم أخيه الْعَبَّاس، فخرج إِلَيْهِ المُطَّلِب فِي أهل مِصر، فحاربوه فِي صفر سنة 200 هـ، وتحالفوا مع السَّريّ بْن الحكَم ضد المطلب، وخرج مجموعة من الحند على المطلب حتى قتلوا صاحب شرطته هُبَيرة بْن هاشم بْن حُدَيج، وطلب المُطِّلِب الأَمان من السَّريّ بْن الحكَم عَلَى أن يسلِّم إِلَيْهِ الأمر ويخرج عَنْ مِصر، فوافق السَّريّ، وخرج المُطَّلِب فِي بحر القُلْزُم إلى مَكَّة. وكان ذلك في بداية رمضان سنة 200 هـ.
السري بن الحكم
السري بن الحكم بن يوسف البلخي (توفي في نوفمبر 820م) شغل مرتين منصب الوالي العباسي لمصر.
هو من أصل خراساني، جاء إلى مصر عام 799م في حاشية الليث بن الفضل، وسرعان ما ارتقى في المناصب.
كانت فترة ولايته الأولى حاكماً لمصر قصيرة، حيث امتدت من أبريل إلى سبتمبر 816م، فولِيَها بإِجماع الجند عَلَيْهِ عَلَى صلاتها وخَراجها لمستهَلّ شهر رمضان سنة 200 هـ، فجعل عَلَى شُرَطه محمد بْن عَسَّامة بْن عمرو، ثم بايع الجند سُليمان بْن غالب بْن جِبْرِيل، فخلعوا السري في ربيع الأول سنة 201 هـ، وحبسوه، فكانت وِلايته عليها ستَّة أشهُر.
لكن أعيد تعيينه في هذا المنصب في مارس 817 واستمر حتى وفاته في نوفمبر 820م. بأمر من المأْمون عَلَى صلاتها وخَراجها، قدِم بولايته عُمَر أخو هَرْثمة، فبعث الجُند إلى إِخْمِيم، فاستخرجوا السَّريّ من الحبس، فدخل الفُسطاط يوم الأربعاء 12 شعبان سنة 201 هـ، فسلَّم إِلَيْهِ جميع الجُند الوِلاية، فجعل عَلَى شُرَطه محمد بْن عَسَّامة أيَّامًا، ثم عزله وولَّى الحارث بْن زُرعة بْن قَحْزَم أيَّامًا، ثمَّ عزله فولَّى ابنه ميمون بْن السَّريّ، ثمَّ عزله وولَّى أَبَا بَكْر بْن جُنادة بْن عيسى المَعافريّ، ثمَّ عزله فولَّى أَبَا صالح حَمَّاد بْن المُخارِق التَّميميّ، ثمَّ عزله فولَّى أخاه إسماعيل بْن الحكَم، ثمَّ عزله فولَّى أخاه صالح بْن الحكَم، ثمَّ عزله فولَّى أخاه داود.
وتتبَّع السَّريّ كلّ من كَانَ حاربه أو انتبه، فجعل يقتلهم ويصلِبهم، ثمَّ ورد عَلَيْهِ كتاب المأْمون يأمره بالبيعة لوليّ عهده عليّ بْن مُوسَى الرضا فِي المحرَّم سنة 202 هـ، فبُويع لَهُ بِمصر. فوكتب إبراهيم بْن المَهْدي إلى وجُوه الجُند بِمصر يأمرهم بخلع المأمون ووليّ عهده، وبالوثوب بالسَّريّ، فقام فِي ذَلكَ الحارث بْن زُرْعة بْن قَحْزَم بالفُسطاط، وعبد العزيز بْن الوزير الجَرَويّ بأسفل الأَرض، وسَلامة بْن عَبْد الملك الأزْديّ الطَّحَاويّ بالصعيد، وسُليمان بْن غالب بْن جِبْرِيل، وعبد العزيز بْن عبد الرحمن بْن عَبْد الجبَّار الأَزْديّ، فخالفوا السَّريّ ودَعوا لإبراهيم بْن المَهديّ، وعقدوا عَلَى ذَلكَ الأمر لعبد العزيز بْن عبد الرحمن الأَزْديّ وأجمعوا عَلَى ولايته، فحاربه السَّريّ، فظفِر السَّريّ.
مات السَّريّ بْن الحكَم بالفُسطاط، يوم السبت في جمادى الأولى سنة 205 هـ، فكانت وِلايته عليها ثلاث سنين وتسعة أشهُر وثمانية عشر يومًا.
وخلفه أبناؤه الاثنين، وظل الشمال تحت حكم علي بن عبد العزيز، وحكم ابن السري عبيد الله حتى منتصف 826م، حتى وليها عبد الله بن طاهر حاكماً لمصر وأعاد مصر كاملها للسلطة العباسية.
من هم الاحواف
“الأحواف” أو الحوفيين، هم أهل الحوف، وهم سكان منطقة “الحوف الشرقي” وهو اسم كان يطلق على المنطقة الواقعة شرقي فرع دمياط من النيل، وكان العرب قاموا بتقسيم أراضي الدلتا إلى قسمين بعد الفتح العربي، هما: الحوف والريف وكان الحوف يشمل الأراضي الواقعة شرق فرع دمياط من عين شمس إلى دمياط وكان الريف عبارة عن بقية أراضي الدلتا إلى الإسكندرية. وجعل العرب مراكز الحوف 14 كورة والريف 31 كورة وكانت الكورة تعادل في مساحتها المركز في الوقت الحاضر. ثم عدل هذا التقسيم في القرن الثالث الهجري وصارت أراضي الدلتا أقسام هي الحوف الشرقي والحوف الغربي وبطن الريف ثم ألغى في عهد الفاطميين واستبدل به تقسيم آخر كانت فيه مصر مقسمة إلى 22 إقليماً.
بحسب دراسة الكاتب فاروق عطية، فأنه توالى علي مصر في الفترة بين 172 حتي 177هـ سبعة ولاة آخرهم يدعى اسحق بن سليمان الذي بدأ ولايته بفرض زيادة في الخراج مما أصاب المصريين بالغضب فقام عليه أهل الحوف بالوجه البحري وحاربوه وقتل في هذه الواقعة خلق كثير.
وأوضح عطية في دراسته المعنونة “كميت (مصر) في عهد الخلافة العباسية” فأنه في سنة 186هـ تولي علي مصر الليث بن الفضل (في خلافة هارون الرشيد) الذي أرسل مساحين ليعيدو مساحة الأراض الزراعية وأمرهم أن ينقصوا من القصبة بضع أصابع مما يزيد الضرائب عليها، فتظلّم أهل الحوف إليه فلم يستجب لهم فتجمهروا عربا وأقباطا وساروا إلي الفسطاط فخرج إليهم الليث بعسكره وبادرهم بالقتال فهزموه، بعدها جمع المزيد من العسكر وهجم عليهم فهزمهم واقتفي أثرهم حتي وصلوا لمنطقة تسمي عيفة وقتل منهم خلق كثير وقبض علي ثمانين من زعمائهم وقطع رؤوسهم وعاد بها إلي الفسطاط وعرضها علي الناس، فتسبب ذلك في المزيد من الفتنة وامتداد الثورة إلي أغلب جهات الوحه البحرى.
ويوضح المفكر الإسلامي أحمد صبحى منصور في إحدى مقالاته التركيبة السكنية لأهل الحوف، موضحا أن قبل خلافة هشام بن عبد الملك لم يكن من قبائل قيس بمصر إلا بعض البيوت من قبيلتي فهم وعدوان، ثم وفد ابن الحبحاب علي الخليفة هشام بن عبد الملك وسأله أن ينقل إلي مصر بعض قبائل أخري من قيس، وكان ذلك في ولاية الوليد بن رفاعة علي مصر، فأذن هشام في أن يهاجر إلي مصر ثلاثة آلاف من قبائل قيس وأن يحول ديوانهم إلي مصر بشرط ألا ينزلوا الفسطاط عاصمة الحكم وقتها.. فأنزلهم الحبحاب في الحوف الشرقي. وهناك رواية أخري تقول إن ابن الحبحاب في ولايته علي مصر كتب إلي هشام بن عبد الملك يعرض عليه أن ينقل بعض قبائل قيس إلي الحوف الشرقي حول بلبيس بالذات حيث لا يضر ذلك بأحد وحيث تخلو المنطقة من الوجود العربي، فوافق هشام.
ويفسر “منصور” في مقالة له بعنوان “صراع العباسيين مع القبائل العربية في مصر” سبب الخلاف بين الدولة العباسية وأهل الحوف، موضحا أن الدولة العباسية بسياسة جاءت جديدة احتل فيها الفرس موقع الصدارة، ولم يرض العرب في بغداد وغيرها عن ذلك، وحدث نوع من التوتر بين أعراب قيس الذين استوطنوا الحوف الشرقي وبين السلطات العباسية في مصر، تلك السلطات التي تركت الفسطاط وأقامت عاصمة جديدة هي العسكر، وفرضت زيادة جديدة في الضرائب سنة 178 وهي زيادة أجحفت بالمزارعين، وكان ذلك في ولاية إسحاق بن سليمان بن علي العباسي.
وثار أعراب قيس علي تلك الزيادة وجمعوا فرسانهم وأقاموا لهم عسكرا منع تحصيل الضرائب، فبعث إليهم الوالي العباسي جيشا لم يستطع إخماد ثورتهم، فأرسل إلي هارون الرشيد يطلب المدد فأرسل له بجيش هائل يقوده هرثمة بن أعين، ونزل ذلك الجيش الحوف الشرقي فأخاف القيسيين وأذعنوا ودفعوا الخراج كله.
بعد الهزيمة الكبيرة التي تعرض لها جيش الوالى العثمانى كما ذكرنا سلفا على لسان الكاتب فاروق عطية، يوضح الدكتور أحمد صبحى منصور أن تلك الهزيمة المنكرة لم تخضع القيسيين بل أثارت فيهم نزعة الثأر والانتقام فعادوا إلي منع الخراج، وخشي الوالي أن يخسر أمامهم الجولة التالية، فسافر بنفسه إلي بغداد في محرم سنة 187 ، وطلب من هارون الرشيد أن يزوده بجيش قوي لأنه لا يستطيع تحصيل الخراج من الحوف الشرقي إلا بقوة الجيش . وكان حاضرا محفوظ بن سليم ذلك المجلس ، فضمن للرشيد خراج مصر عن آخره بلا سوط ولا عصا، فولاه الخراج وعزل الوالي ليث بن الفضل.