مما لا شك فيه أن اللغة هي وسيلة الاتصال الأولى بين السلطة و الجمهور، لما يتوافر لديها من عوامل الإدراك المشترك في التأثير و الاقناع، و من ثم يستخدمها السياسيون في التأثير في الجمهور في اقناعه و توجيهه نحوا اهدافهم. كما تعبر اللغة عن اتجاهات السلطة واهدافها و تعكس الأحول السياسية للمجتمع.
ولا خلاف أن أحد أهم أهداف الصهيونية هو تشويه ونزع هوية الفلسطنيون بشكل خاص والعرب بشكل عام، لسلخهم عن امتدادهم العربي. ولعبت المصطلحات هنا الدور الأكبر في الصراعات السياسية، حيث إدارة الصراع وفقاَ للأهداف الصهيونية حيث استغلت اللغة والخطابات الموجهه سواء لجماعتها أو للعالم الغربي والعربي لتوطيد الأفكار والمسميات الخاصة بأيدولوجيتها لإدارة الصراع الإسرائيلي العربي.
تنقسم تلك السياسة اللغوية الصهيونية إلى شقين رئيسيين، أحدهم موجهه للجماعات اليهودية والصهيونية، والأخر موجهه للعالم العربي والغربي.
الأول هو الشق الموجهه للجماعات اليهودية من قيادتهم.
حيث فرض المصطلحات “السيادينية” والمقصود منها دمج مصطلح ديني في جملة ليعطي معنى سياسي والعكس، واستخدمتها الحركة الصهيونية لأغراض سياسية عنصرية . فمثلا كلمة “كنيست” والمراد بيها معبد يجتمع فيه اليهود من أجل إقامة شعائرهم الدينية، ومع ذلك تم إطلاقها على البرلمان الإسرائيلي ويقال ان ذلك نسبة لمجلس الحاخامين الوارد في المشنا: «قبل موسى التوراة من سيناء وسلمها ليشوع، ويشوع للشيوخ، والشيوخ للأنبياء، والأنبياء سلموها لرجال الكنيست الكبير.» وأيضا مصطلحات مثل “مزراحيم” والتي تعني اليهود الشرقيون، و”سفارديم” والتي تعني هم اليهود الذين يعودون في اصولهم الى شبه الجزيرة الايبيرية (اسبانيا والبرتغال)، وأيضا “اشكنازيم” وتعني مصطلح استخدم عند الادباء اليهود اشارة الى المانيا وتم التوسع في استخدام هذا الاسم ليشمل يهود اوروبا.
أما الشق الثاني الموجهه للعرب والعالم الغربي حيث أرسى قيادات الجماعات الصهيونية -منذ نشوء دولتهم المزعومة- دعائم اللغة العبرية، وفرضوا سيادتها في الحياة اليومية واتبعوا سياسة “بوتقة الصهر”.
لقد أدرك اليهود أهمية التهويد وارتباطه بهوية إحتلالهم، فسعوا إلى تطبيقه بعد تأسيس دولة الإحتلال مباشرة، فدعا دافيد بن غوريون -أول رئيس حكومة للإحتلال الإسرائيلي- إلى ضرورة بلورة طابع عبري وأسلوب عبري لم يكونا قائمين في السابق، ولم يكن بالإمكان إقامتهما في المنفى” و شكل تهويد فلسطين جوهر مشروع الحركة الصهيونية، وعمل الصهاينة على نحت النموذج الايديولوجي في التهويد، والإصرار على تحويل البلاد إلى وطن يهودي الهوية والمكونات من خلال ترجمة المكان وصبغه بالصبغة اليهودية، حتى غدا لعنة تاريخية تطارد الفلسطينيين إلى يومنا هذا وعلى رأس ذلك تغير أسماء المحافظات والمدن الفلسطينية وهذا التغير على المستوي المحلى والدولي في كل الوثائق الرسمية والخطابات والإعلام الموجهه وغيرهم.
جاء هذا جانباً إلى جنب مع إستسلام العرب والغرب لهذا التهويد والعبرنة الصريحة وإستخدام مسمياتهم ومصطلحاتهم كما أطلقوها، مثل دولة إسرائيل بدلاً من الإحتلال الإسرائيلي، ومستوطنة بدلاً من مغتصبة، و إرهابي على المقاوم، والمطالب الفلسطينية بدلاً من الحقوق الفلسطينية وغير ذلك الكثير.
أخير.. أن تأتي متأخراً خير من ألا تاتي، يجب التصدي للأيدولوجية الصهيونية الموجة فيما يتعلق بالتهويد والعبرنة والصهينة لكل ما هو عربي وإسلامي كلٍ فيما يخصه ويعنيه، يجب الانتباه والسيطرة على هذه التوجهات التي بدأت كظاهرة ليس إلا إلى أن استفشت وإنتشرت وأصبحت مسيطرة على الخطابات السياسية والإعلامية.