تُمثل لحظاتُ الموت لحظاتٍ فارقة في حياة البشر، ولا جدالَ في أن تأثيرَ حالة الوفاة يختلف باختلاف قرب الشخص أو بُعده من المتوفَّى، فمَن عنده حالة وفاة ليس كغيرِه وإن جاء مُعزيًا.
وبحكم العمل الإعلامي فإن وسائل الإعلام المختلفة تتابع جنازات وعزاءات المشاهير، وقد أصبحنا نرى من تصرفات أولئك المحسوبين على الجماعة الإعلامية ما لا يُقره جلال الموقف، ولا يَقبله عُرف المهنة، خاصةً من المصورين، الذين أحسبُ أنهم لا ينتمون إلى الصحف العريقة، لكنهم أصحاب مواقع أو صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، لا همّ لهم إلا تحقيق نِسب مشاهدات عالية، تُدِرُّ عليهم الكثير من الأموال، وإن كان ذلك على حساب أخلاق المهنة، بل وإن كان رقصًا على الجراح!!
في بعض الجِنازات تجد من حمَلة الهواتف المحمولة مَن يريد تصويرَ الجثمان داخل القبر!! فهل هذا يليق؟! لا أقول لك: لا تؤدِّ عملك، ولكن ( ما هكذا تُورَدُ يا سعدُ الإبل )!!
في هذا الوقت ينشغل المقربون من أهل المتوفَّى بتقديم العونِ والدعم والسندِ النفسي للأسرة، فلا تبحث أنت عن ( التريند ) ضاربًا عُرض الحائط بأعراف وتقاليد مهنتك!!
لم يكن ما حدث في جِنازة الفنان الراحل ( مصطفى درويش ) هو أول حدث من هذا النوع، ولن يكون الأخير ما لم توضع لوائح وضوابط مهنية للتغطية الإعلامية داخل الجنازات قبل العزاءات فلا يتمكن كلُّ من (هبّ ودبّ) من الدخول وسط هذا المشهد دون احترام لجلال الموقف وهيبته. فهل حان الوقت لوضع ضوابط تحفظ حُرمةَ الميت، وتحترمُ خصوصيةَ أهله وتصون كرامةَ الإعلامي؟!
حق مشروع للأجيال الجديدة من الإعلاميين أن تستغل الوسائل الحديثة في العمل الإعلامي، لكن احترام الخصوصيات والعمل بإنسانية هو أمر قديم حديث يجب ألا يبلى مع الزمن، حتى نألف التجاوز ونراه أمرًا عاديًّا، ونستشعر أن قلة الذوق من مواصفات الإعلامي الناجح، وبالتالي البجاحة وعدم الاكتراث بالآخر والاستخفاف بمشاعره!!
وإذا استمرت هذه الفوضى، فهل يمكن لنقابة المهن التمثيلية أو نقابة الصحفيين أن تقوم بنفسها باختيار من يقوم بالتغطية الإعلامية وتوزيع الصور والڤيديوهات على المواقع كافة؟ وإن كنتُ لا أحبذ ذلك!
لستُ مع المنع، فالممنوع مرغوب كما نعلم، وبما أن هذه المادة تهتم بها فئة من الجمهور، فتغطيتها حق لوسائل الإعلام ولكن بضوابط ومعايير مهنية يضعها أهل المهنة.
ملحوظة: عزاءاتُ بعضٍ من غير المشاهير _ خاصةً في وجود القُرَّاء _ أصبحت احتفالياتٍ للتصوير والأحضان واللقاءات، ولم يصل الڤيروس عندهم بعدُ للجِنازات.