إذا نظرت إسرائيل إلى الأزمة الحالية بين روسيا وأوكرانيا كصراع ثنائي وفقط، فإنها حتماً ستنحاز لروسيا، ولكن إذا كان على إسرائيل أن تختار بين روسيا والولايات المتحدة (إذا ما طلبت الأخيرة من إسرائيل إدانة السياسة الروسية حيال أوكرانيا) فإن إسرائيل حتماً ستنحاز لأوكرانيا.
هذا ما صرح به مسئول إسرائيلي في حديثه لموقع “المونيتور” في فبراير ٢٠٢٢ مع بداية الغزو الروسي على أوكرانيا.
وهذا تحديدا سبب تغير الموقف الإسرائيلي من الحرب الروسية الأوكرانية .. فبعد أن كانت إسرائيل على جانب الحياد من الأزمة منذ عدة سنوات – عندما قامت روسيا بضم شبه جزيرة القرم إلى حدودها عام 2014- تغير الموقف إلى الرفض والإدانة أيضاً، حيث صرح يائير لبيد في 24 فبراير 2022، قائلاً: “الهجوم الروسي على أوكرانيا انتهاك خطير للنظام الدولي، وإسرائيل تدين الهجوم، وهى مستعدة لتقديم المساعدة الإنسانية لمواطني أوكرانيا”. ودعا إلى “العودة إلى طاولة المفاوضات، بوساطة القوى الدولية لتسوية الخلافات سلمياً”.
فلم يرفض فقط بل أيضا تدخل من أجل التوصل لحلول دبلوماسية بين الدولتين.
كان هذا هو الموقف الإسرائيلي من الحرب الروسية الأوكرانية.
ورغم أن الحرب في أوكرانيا أعطت بعدا جديدا للأزمة بين البلدين فإن جذور الخلافات تمتد إلى الساحة السورية، إذ لا توافق موسكو على الضربات الإسرائيلية ضد سوريا.
ليس هذا فقط سبب تدهور العلاقات بين الاحتلال الإسرائيلي وبين دولة روسيا، إنما تفاقم الوضع أيضا على خلفية التقارب بين روسيا وإيران، حيث قال نير دفوري-إسرائيلي متخصص في الشؤون العسكرية_ : إنّ هذا التوتر قد يكون ناجماً عن “التسخين” والأمور التي فعلها الاحتلال من أجل أوكرانيا في الفترة الأخيرة، مؤكداً أنه “في كلتا الحالتين فإنّ العلاقات بين إسرائيل وموسكو لم تعُد كما كانت”.
وأشار دفوري إلى وجود “قلقٍ” إسرائيلي من “مسعى روسي لنقل تكنولوجيا نووية إلى إيران”، لافتاً إلى وجود “محاولات عبر كل الوسائل لكبح هذه الخطوة، لأنّ هذا يمكن أن يؤثر في المستقبل في المعرفة وفي التكنولوجيا أيضاً في الجوانب النووية العسكرية لدى إيران”.
لكن كيف أقحم حاخامات اليهود وعلى رأسهم حاخامات روسيا أنفسهم في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل !؟
الذي صدره المشهد حينها هو “عندما أصابت قذيفة روسية برج الإذاعة والتلفزيون الرئيسي في العاصمة الأوكرانية كييف، على بعد مسافة قصيرة من مركز بابين يار لإحياء ذكرى ضحايا المحرقة، الأمر الذي لم يؤد ذلك إلى إثارة ذكريات أليمة لدى اليهود الأوكرانيين فحسب، بل اليهود في مختلف أنحاء العالم.”
فهذا موشيه رؤوفين أزمان هو الحاخام الأكبر لمعبد برودسكي اليهودي في كييف ورئيس المؤتمر الوطني للطوائف اليهودية في أوكرانيا.
و تم انتخابه عام 2005 ليكون الحاخام الأكبر للبلاد من قبل ممثلي جميع المناطق الأوكرانية.
يقول أزمان: إن بوتين وروسيا وحدا ضدهما الشعب الأوكراني والشعب اليهودي والعالم كله. وأن يصلي الجميع من أجل كل الأوكرانيين وكذلك من أجل اليهود. وكلنا ضحايا نفس المأساة. (يزعم بذلك اضطهاد الأقليات اليهود)
وعلى الجانب الأخر تصدر حاخامات روسيا للمشهد فهذا بنحاس جولدشميت والذي كان الحاخام الرئيسي في موسكو يغادر روسيا بعد أسبوعين فقط من إندلاع الحرب ويذهب الي روسيا مع عائلته ويستقيل من منصبه أيضا.
هذه بعض تصريحاته في لقاء مع موقع “كان” الاخباري الخاص بالاحتلال: إن المجتمعات اليهودية في روسيا تعرضت لضغوط لدعم الحرب في أوكرانيا. وأشار إلى أنه قد كان يُعرض للاعتقال حال أعرب عن رفضه للحرب.
وأضاف الحاخام غولدشميت “إننا نرى ارتفاعا بمعاداة السامية، في وقت تعود فيه روسيا، لكي تكون نوعا جديدا من الاتحاد السوفيتي، وخطوة واحدة من إعادة فرض الستار الحديدي. لهذا السبب”، يقول غولدشميت:” اعتقد ان أفضل خيار لليهود الروس، هو المغادرة”.
وأيضا هذه آنا شترنشيس، أستاذة الدراسات اليديشية في جامعة تورنتو والمتخصصة في التاريخ اليهودي في روسيا: “كنت أفكر كثيرا في سبب اندفاعنا للخروج إذ إننا لا نشهد ارتفاعا كبيرا في معاداة السامية”.
وتضيف: “لكن بعد أن أخذت أنظر إلى الموضوع تاريخيا رأيت أنه في كل مرة يحدث فيها شيء ما في روسيا، كبعض الاضطرابات مثلا، أو بعض التغييرات، يكون اليهود دائما في خطر”.
وعلى الرغم من أن شترنشيس ولدت ونشأت في روسيا. وتقول إنها تشعر بالفزع بشكل خاص من الطريقة التي يشعر بها اليهود، وتحس مرة أخرى أنهم مهما التزموا ببناء حياة في مكان ما فإنهم يمكن انتزاعهم فجأة منه.
مازال اليهود حول العالم وخاصة الصهاينة منهم يؤكدون على زعمهم بمعاداة السامية واضطهادهم رغم كل شئ، استمرار نفس النغمة من الحديث أنهم مركز العالم وأن جميع الدول تحملهم نتيجة الحروب والصراعات السياسية، واقحام دولتهم المزعومة في المشهد من أجل إظهارها مظهر ذو القوة والنفوذ والرأي .
الا أن الأمر مختلف هذه المرة فرغم احيتاج الإحتلال الإسرائيلي لظهوره مظهر الدولة القوية -ذات الرأي والسيادة والتأثير رغم الصراعات الداخلية- إلا أن رغبته في الحفاظ على سياسته شبه الحيادية تجاه الصراع الروسي-الأوكراني أكثر قوة، وذلك إلى جانب عن رغبتها في تعزيز العلاقات مع موسكو.
وذلك لسببين رئيسيين:
أولاً: حتي لا تمنع روسيا عنها حرية العمل في الفضاء السوري لأن حرية العمل الإسرائيلي في الفضاء السوري هو بتعاون استخباراتي روسي-إسرائيلي، وبالتالي هناك نوع من المخاطرة بعمل الطيران أو الأسلحة أو الأجهزة والأرصدة وأجهزة الترصد، وهذا يعيق العمل الأمني الإسرائيلي في مواجهة المليشيات الإيرانية في سوريا.
وعلى الجانب الأخر من نفس السبب أن روسيا قد تعمل جاهدة على تسهيل الطرق لعمل هذه المليشيات لزعزعة أمن إسرائيل، فقط لتؤكد موسكو أنها قادرة على إيذاء الاحتلال الإسرائيلي في أمنه ردا على سوء تصرفه في التعامل مع الحرب في أوكرانيا.
ثانياً: حتى تكف روسيا عن الدعم للقضية الفلسطينية ومهاجمة الاحتلال الإسرائيلي بقوة خلال كل الاجتماعات واللقاءات الدولية ، حيث هاجمت روسيا الاحتلال الإسرائيلي
خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي، في أبريل الماضي حيث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في كلمة له بشأن القضية الفلسطينية، إن السبب الرئيسي لاندلاع العنف بين الفلسطينيين وإسرائيل هو الخطوات (الإسرائيلية) أحادية الجانب لخلق حقائق على الأرض واستخدام القوة لحمايتها.
وأضاف “لا يمكننا أن نقبل بتوسع المستوطنات، وهدم المنازل، ومصادرة الأراضي (الفلسطينية)، والاعتقالات الجماعية. ومن ناحية أخرى، لا نغض الطرف عن تطرف الخطاب في الشارع الفلسطيني”.
وأخيرا ستحمل الأيام القادمة الكثير من المفاجآت في المشهد بين روسيا والاحتلال الإسرائيلي وإيران وهذا حتماً سيؤثر بشكل مباشر على الدعم الإسرائيلي لأوكرانيا سواء المعلن عنه أم الخفي.
الكاتبة باحثة ومترجمة في الاستشراق الإسرائيلي