اللعب بالنار.. هل يصبح مصير حماس مثل تنظيم القاعدة

Uncategorized , Comments Disabled

لم تُحسن الحركة الفلسطينية الاستفادة من عوامل تميزها وغلبت عليها الانتماءات الأيديولوجية وحسابات المحاور الإقليمية لتصل أخيرًا إلى محطات قرّبتها من مساحات التدهور والتراجع التي يقبع فيها إسلاميون وجهاديون عديدون حول العالم.

واستدعت الأحداث الأخيرة التي جلبت حربًا لا تزال سيناريوهاتها ونتائجها مجهولة على جبهة قطاع غزة أو غيرها حزمة من المقارنات بين الحركة الفلسطينية ذات التوجهات الإسلامية وكيانات جهادية مثل تنظيم القاعدة.

ووجد كثيرون أن حركة حماس ذات الجذور الإخوانية كررت خطيئة تنظيم القاعدة المنتمي إلى السلفية الجهادية عندما شن هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 في عمق الولايات المتحدة، وهو ما استفز واشنطن وأوجد لها مبررات لغزو أفغانستان بعدما رفضت طالبان تسليم مدبري الهجوم، وتمزيق أواصر التنظيم واستئصال رؤوسه وحرمانه من موطئ قدم إستراتيجي في أفغانستان في ظل إمارة إسلامية حاكمة.

بدا أن السيناريوهات تتكرر في ساحة جديدة، حيث ترك تأثير الهجمات المنسقة غير المسبوقة التي نفذتها عناصر النخبة بكتائب عزالدين القسام الجناح العسكري لحماس في السابع من أكتوبر الجاري على أهداف إسرائيلية نفس التأثير الذي تركته هجمات سبتمبر على الأميركيين.

إنهاء حكم حماس

وتتملك إسرائيل رغبة في إنهاء حكم حماس وسيطرتها على غزة، بجانب تصميمها على استئصال قادة الحركة ومحوهم من الوجود.

وليست هذه المرة مثل المرات السابقة، حيث اقتصر هدف إسرائيل الانتقامي في الماضي على معاقبة حماس وجعلها فقط تندم وتمتنع عن تكرار ضرباتها الخاطفة المحدودة لفترة طويلة.

والواضح أن تل أبيب انجرت هذه المرة إلى مواجهة حادة لا تعود فيها الأمور إلى مثل ما كانت عليه قبل هذه الحرب عندما اهتزت صورتها وجُرح كبرياؤها العسكري والأمني وتعرضت لخطر وجودي، ما يدفعها، وفقًا لتصريحات مسؤولين إسرائيليين، إلى عدم إيقاف هجومها المضاد قبل أن تتعرض حماس لضربات مُمِيتة.
وحصلت الحركة الفلسطينية بالفعل على ما سعى تنظيم القاعدة إلى الحصول عليه وقت أن شن هجماته الفارقة في تاريخ التنظيمات الجهادية العالمية على الولايات المتحدة قبل أكثر من عقدين، ولفتت العملية نظر العالم وصنعت الإبهار اللحظي بتنظيم متواضع الإمكانات والقدرات استطاع أن يخترق جهاز الاستخبارات الأميركي ويهين أقوى دولة في العالم في عقر دارها.

واقتنصت حماس هذه اللقطة وسُجل باسمها خداع مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي المتمرس والجيش الإسرائيلي المحترف، لكنها جنت في الأخير وضعها ضمن قائمة التنظيمات المفتقدة للعقلانية والرشد الباحثة عن صناعة حدث ضخم يُسجل باسمها من دون مراعاة لعواقبه ومآلاته.

توريط غزة

اعتقدت الاستخبارات الإسرائيلية أن قادة حماس يتسمون بعقلانية تقيهم عدم التفكير في الإقدام على توريط غزة في تصعيد جديد، ناهيك عن تصعيد لا يقل الرد الثأري عليه عن إبادتها ثمنا للإهانة.
تراخى الإسرائيليون لشعورهم بأن وضع حماس بات مختلفًا وفقًا لتفاهمات ضمنية يتعايش من منطلقها الطرفان ويستفيد كلاهما من الآخر (الأمن مقابل الاقتصاد)، حيث لم يتوقعوا أن تأتيهم ضربة من كيان يرسل إليهم قرابة العشرين ألف عامل كل يوم، من أصل 200 ألف عامل من فلسطيني الأراضي المحتلة، وهو ما يفيد الاقتصاد ويدر العوائد الضريبية للسلطة، علاوة على العديد من الامتيازات الأخرى.
وفي الوقت الذي ظنت فيه إسرائيل أن حماس لن تجرؤ على التسبب في نشوب حرب أخرى تدفع الفلسطينيين إلى الانقلاب عليها، وجدت الحركة أن مبدأ الحرب المستمرة سيكون مربحًا لها، وأن ما لا تحققه بالتهدئة قابل للتحقق باللعب بالنار.
وعوّلت حماس، وهي أحد أفرع التنظيم الدولي للإخوان، على تدخل المجتمع الدولي والقوى الإقليمية، كما جرى في أربع حروب سابقة، كلما أقدمت إسرائيل على سحقها.
ولم تضع حماس في حسابها مصير الفلسطينيين الذين تتركهم هدفًا للنيران الإسرائيلية من البر والجو والبحر، ولم تعدل من نهجها رغم تسببها مرارًا في جلب دمار البنية التحتية للمياه والكهرباء والصرف الصحي وتكرار مشاهد انتشال جثث الأطفال من تحت أنقاض المباني المهدمة ومشاهد نزوح وهروب العائلات التي فرت من منازلها.
وتحصلت حماس على الإشادة بجرأة وبطولة منفذي عمليتها الكبرى التي باتت مسجلة بوصفها إنجازها التاريخي، ما جعلها أقرب على مستوى اتخاذ القرار والممارسة إلى الجهاديين التقليديين الذين لا يأبهون بما يسببونه من معاناة للشعوب ودمار للمناطق والدول التي يحكمونها أو يشاركون في حكمها.
ولم تستثمر حماس كعادة الجهاديين في إنشاء البنية التحتية والتعمير والتعليم أو بناء الملاجئ للمدنيين، في وقت بيّتت النية لتنفيذ خطط تجلب الثأر والهدم لكل ما تم بناؤه.
تستخدم حماس القوة دون هدف سياسي ولا أفق لتسوية متوازنة، حيث ترى أن الحل يكمن في محو الكيان الإسرائيلي رغم استحالة تحقق ذلك، على غرار خطط القاعدة بشأن تدمير الولايات المتحدة والحضارة الغربية، ولذلك تتدخل أطراف أخرى لمداواة جراحات تبعات مغامراتها والدفاع عن الفلسطينيين وحقوقهم عبر طرح مبادرات وحلول واقعية مثل حل الدولتين.


بحث

ADS

تابعنا

ADS