اكتشف فريق من الجيولوجيين من خلال التنقيب في الطبقة الجليدية الضخمة في غرب أنتاركتيكا بقايا نظام نهر قديم كان يتدفق قبل ملايين السنين لمسافة 1500 كم تقريبا.
ويقدم هذا الاكتشاف لمحة عن تاريخ الأرض ويلمح إلى الكيفية التي يمكن أن يغير بها التغير المناخي الشديد الكوكب.
ووفقا للنتائج التي توصلوا إليها، والتي نُشرت في مجلة Science Advances، كشف فريق من الباحثين في رحلة بحثية بقيادة معهد ألفريد فيغنر عن سر خفي كامن تحت جليد أنتاركتيكا (القارة القطبية الجنوبية)، حيث وجدوا أدلة على وجود نظام نهر قديم من خلال دراسة عينات الرواسب من بحر أموندسن.
ويشير هذا إلى أن أنتاركتيكا كانت تتمتع بمناخ معتدل منذ نحو 34 مليون سنة، حيث ازدهرت الغابات الكثيفة وشقت شبكة واسعة من الأنهار طريقها عبر المناظر الطبيعية.
ومرت الأرض بفترة تبريد مثيرة منذ ما بين 34 إلى 44 مليون سنة. وشهدت هذه الفترة “من منتصف إلى أواخر العصر الأيوسيني” انخفاضا حادا في مستويات ثاني أكسيد الكربون، ما أدى إلى تشكيل الأنهار الجليدية الأولى على الأرض الخالية من الجليد.
ولطالما تساءل العلماء عن كيفية وقوع هذا الحدث في أنتاركتيكا، وهي القارة التي يهيمن عليها الجليد الآن.
ولم تكن أنتاركتيكا قارة وحيدة في ذلك الوقت. وحتى نحو 100 مليون سنة مضت، كانت جزءا من قارة ضخمة تُعرف باسم غوندوانا. ومع تفكك غوندوانا، تحركت أنتاركتيكا جنوبا وأنشأت قارتها.
وعلى الرغم من انتقالها إلى القطب الجنوبي، إلا أن أنتاركتيكا شهدت ظروفا مناخية معتدلة حتى نهاية العصر الأيوسيني، منذ نحو 34 مليون سنة.
وتضمنت الدراسة الجديدة فريقا دوليا من الباحثين الذين يدرسون المعادن وشظايا الصخور الموجودة في عينات الرواسب من بحر أموندسن قبالة الساحل الغربي لأنتاركتيكا.
وتم جمع العينات خلال رحلة استكشافية على متن كاسحة الجليد البحثية Polarstern.
والمثير للدهشة أن معظم هذه المعادن والشظايا جاءت من مكان آخر غير غرب قارة أنتاركتيكا، حيث تم العثور عليها.
وبدلا من ذلك، تشير العينات إلى مصدر بعيد، وهو جبال ترانس أنتاركتيكا على الجانب الآخر من القارة، على بعد آلاف الكيلومترات.
ووفقا لبيان صحفي، لم تكن سلسلة الجبال هذه دائما طويلة جدا. ومع ذلك، فقد كانت تنمو تدريجيا منذ أواخر عصر الإيوسين.
ويرتبط هذا الارتفاع بميزة جيولوجية تسمى نظام الصدع الغربي في القطب الجنوبي. ويفصل هذا الانقسام قارة أنتاركتيكا إلى كتلتين جغرافيتين: الشرق والغرب.
إذا، كيف يرتبط كل هذا بالنهر القديم؟
أدى رفع الجبال العابرة للقارة القطبية الجنوبية إلى خلق كمية هائلة من حطام التآكل، والتي تتكون من صخور ومعادن متأثرة ومتحركة.
ومن المرجح أن نظام النهر المكتشف حديثا قد نقل هذا الحطام لمسافة طويلة (نحو 1500 كم) عبر نظام الصدع الغربي في القطب الجنوبي قبل ترسيبه في بحر أموندسن.
وقالت البروفيسورة كورنيليا شبيغل من جامعة بريمن: “إن وجود مثل هذا النظام النهري العابر للقارات يظهر أنه، على عكس اليوم، يجب أن تكون أجزاء كبيرة من غرب قارة أنتاركتيكا تقع فوق مستوى سطح البحر مثل السهول الساحلية الواسعة والمسطحة”.
ووفقا للبيان الصحفي، كان لغرب أنتاركتيكا تضاريس منخفضة في نهاية عصر الإيوسين. على الرغم من وجودها في القطب الجنوبي، إلا أن غرب أنتاركتيكا لم يكن باردا بدرجة كافية لتشكل الصفائح الجليدية الدائمة بسبب الارتفاعات المنخفضة.
وفي المقابل، كانت المناطق الجبلية في شرق قارة أنتاركتيكا، والتي كانت ذات ارتفاعات أكبر ودرجات حرارة أقل، تشهد بالفعل بدايات الأنهار الجليدية في ذلك الوقت.