قضت المحكمة الإدارية العليا في حكم لها، اليوم السبت، بتوقيع عقوبة الفصل للفنان «ش.م.م»، فنان أول بالبيت الفنى للفنون الشعبية والاستعراضية، التابع لوزارة الثقافة، لأنه فى غضون عام 2017 بوصفه السابق نشر على صفحته بمواقع التواصل الاجتماعى مسرحية من تأليفه تحت اسم “ألم المعلم يعلم”، تضمنت ألفاظا وعبارات تنطوى على ازدراء الدين الإسلامى والمسيحى على السواء، والإساءة إلى رسول الإنسانية محمد، صلى الله عليه وسلم، بازدراء زوجتين من زوجاته أمهات المؤمنين زينب وعائشة، كما أساء إلى الرسول عيسى، عليه السلام، والسيدة مريم البتول.
صدر الحكم برئاسة المستشار عادل بريك، نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين صلاح هلال والدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى ونبيل عطالله وأحمد ماهر نواب رئيس مجلس الدولة.
وكشفت المحكمة عن أن الثابت بالأوراق أن الفنان أحمد ماهر والفنان أحمد الكحلاوى، أبطال العرض المسرحى “البيت الكبير”، تقدما بشكواهما إلى رئيس الإدارة المركزية للبيت الفنى للفنون الشعبية والاستعراضية ضد الطاعن (ش.م.م.ص م)، عضو الفرقة الغنائية الذى يعمل ممثلا فى العرض المسرحى “البيت الكبير”، بسبب التجاوزات المسيئة الصادرة منه التى وصلت إلى ازدراء الأديان والهجوم على شخص النبى الكريم محمد، صلى الله عليه وسلم، طالبين استبعاده من المشاركة فى العمل المسرحى المذكور، حيث نشر على صفحته بموقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» مسرحية من تأليفه بعنوان “ألم المعلم يعلم”، وعلى الصفحة الخاصة بنقابة المهن التمثيلية، تتضمن تجاوزات دينية فى حق الرسول الكريم، ثم تلا ذلك تقدم (26) فنانا من أعضاء نقابة المهن التمثيلية بشكوى مماثلة عن ذات الموضوع إلى نقيب المهن التمثيلية ضد الطاعن، باعتباره عضوا بالنقابة، لما ارتكبه من ازدراء الأديان، حيث يستهزئ بآل بيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والدين المسيحى من خلال مشهد نشره على الصفحة الرسمية للنقابة، مما يحدث فتنة بين الممثلين المسلمين والمسيحيين وغيرهم من فئات الشعب.
وقالت المحكمة إن الدستور كفل للمواطنين حرية إبداء الرأى والفكر، سواء كان ذلك بالقول أو الكتابة أو التصوير، أو غيرها من وسائل التعبير والنشر مثل التمثيل والموسيقى والرسم والنحت، وغيرها من ضروب الإبداع الإنسانى الذى كفله الدستور أيضًا سواء كان فنيًا أو أدبيًا، بحسبان أن ذلك تعبير عما تجيش به النفس وتتوق له الروح وتهفو إليه، وهو ما لا يجوز الحجر عليه أو تقييده، على أن يكون ذلك في إطار ما ينظمه القانون وتجيزه الأخلاق ويسمح به العرف السائد في البلاد.
وأضافت المحكمة أن الإبداع الفنى أو الثقافى هو عبارة عن موقف حر واعٍ من الفنان أو المبدع، يتناول فيه ألوانًا من الفنون والثقافات تتعدد أشكالها وصورها، وتتباين طرائق التعبير عنها، فلا يتناول ما هو نقل كامل عن آخرين، ولا ترديد لآراء وأفكار يتداولها غيره، بل يتعين أن يكون بعيدًا عن التقليد والمحاكاة، وأن ينحلّ عملًا ذهنيًا وجهدًا خلاّقًا، ولو لم يكـن ابتكارًا كاملًا جديدًا كل الجدة، وأن يتخـذ كذلك ثوبًا ماديًا، فعمل الفنان المبدع لا ينغلق به استئثارًا، بل يتعداه إلى الناس انتشارًا ليصبح مؤثرًا فيهم برسالته نحو قيم الحق والخير والجمال وتكامل الشخصية الإنسانية لا تراجعها، وبنواحي التقدم ومناحي القصور وبألوان الإبداع وأشكال الفنون إطلالا عليها وتزودا بها، وبالمعايير التي التزمتها الأمم المتحضرة تأمينا لرسالة الفن، فحرية الفن والإبداع صار تشجيعها مطلوبًا عملًا بالدستور الذى يكفل لكل مواطن مبدع حرية الإبداع الأدبى والفنى والثقافى مع ضمان وسائل تشجيعها، مؤكدًا بذلك أن لكل فرد مجالًا حرًا لتطوير ملكاته وقدراته، فلا يجوز تنحيتها أو فرض قيود جائرة تحد منها، ذلك أن حرية الإبداع تمثل جوهر النفس البشرية وأعمق معطياتها، وصقل عناصر الخلق فيها، وإذكاءها كافل لحيويتها، فلا تكون هامدة دون حراك.
وذكرت المحكمة أن البيّن من الأحكام التى انتظمها القانون رقم 35 لسنة 1978 فى شأن نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، تغييها صون حرية الإبداع من خلال أدواتها فى قطاع المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، بما يؤدى إلى النهوض بفنون المسرح والسينما والموسيقى، والمحافظة على التراث الإنسانى والقومى بوجه خاص المصرى والعربى فى هذه الفنون وتطويرها وفقا لمقتضيات التقدم العالمى، بما يجمع بين الأصالة والمعاصرة، وعلى هذا النحو فإن الفن بما يحمله من إبداع لا ينفصل عن حرية التعبير، بل هو من روافدها، يتدفق عطاءً عن طريق قنواتها، يجب أن يتمخض عن قيم وآراء ومعان يؤمن الفنانون والمبدعون بها ويدعون إليها، ليكون مجتمعهم أكثر وعيًا بالحقائق والقيم التى تحتضنها، وإذا كان القضاء يؤمن بأن قهر الإبداع هو عدوان مباشر عليه، فإنه وبذات القدر يؤمن بأن حريـة التعبير عن الآراء ونشرها بكل الوسائل المنصـوص عليهـا قانونا يجب أن يظل الإبداع الفنى والثقافى خلالها في إطار قيم المجتمع وتقاليده، وألا يمس عقائد الناس ومقدساتهم الدينية التى تحوط لها الدستور وكفل حمايتها.
وأشارت المحكمة إلى أن المشرع أضفى حماية واجبة للأديان السماوية، فجعل ازدراء الأديان جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات، فجَرّم كل من استغل الدين في الترويج أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها، أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعى، وعلى هذا النحو فإن ازدراء الأديان يكون عند العدوان على قدسية الاعتقاد الدينى والإساءة للأديان.