كشف بحث فني قاده الكاتبان محمد الشماع وعبد المجيد عبد العزيز من الكشف عن هوية الفنانين جمال رمسيس و اخيه ميمو رمسيس والذي ظهرا في ثلاثة أفلام مصرية وهي إسماعيل يس بوليس سري وإشاعة حب وملاك وشيطان.
فبعد بحث مضن استمر فترة طويلة في أرشيف الصحافة والسجلات والوثائق تمكنا من تفنيد كل الروايات المتداولة عن الفنانين جمال رميسيس وميمو رمسيس والقصص التي نسجت حولهما من أنهما غير مصريان ويدينان باليهودية وهجرتهما إلى الولايات المتحدة واستقرارهما فيها حتى وفاتهما وفي رواية أخرى أن جمال رمسيس هو الشخصية الحقيقة عميل المخابرات المصرية رأفت الهجان، وأثبتا بالوثائق والصور كذب كل هذه الروايات والتحقق من مصريتهما وديانتهما الإسلام وهجرتهما إلى أوربا حتى وفاة ميمو رمسيس في إسبانيا وجمال رمسيس في هولندا.
القصة الحقيقية
محمود عفيفي، رجل من أبناء مدينة منوف بمحافظة المنوفية، كان يعمل في مجال الفرق المسرحية والاستعراضية، قرر في أربعينيات القرن الماضي السفر بأسرته، زوجته وأبنائه: رتيبة وفوزي وجمال ومحمد “ميمي” (بالترتيب العمري)، إلى القاهرة واستقروا في حي شبرا، حيث شكل بهم عفيفي فرقة سيرك عائلي متجول بعدما تدربوا على يد مدرب ياباني، وأطلقوا على هذه الفرقة اسم “سيرك رمسيس”.
رباعي رمسيس
بعد فترة من النجاح المحدود في مصر، قرر عفيفي اصطحاب فرقته والسفر بها إلى الخارج في نهاية الأربعينيات، وبالتحديد إلى أوروبا على أمل أن يجدوا النجاح هناك، وبالفعل، سرعان ما بدأوا في تحقيق شهرة لافتة، خاصة وأن اسم الفرقة وأزياءها المصرية الفرعونية، كانت عامل جذب كبير، بالإضافة إلى مهارة أفراد الفرقة “الرباعي رمسيس” الذين كانوا لا يزالون في عمر المراهقة وأوائل الشباب.
مسارح أوروبا وأمريكا
هذا النجاح ساعدهم على أن يجوبوا مختلف البلدان الأوروبية، ويقدموا عروضهم في أكبر المسارح فيها، مثل “مولان روج” و”الليسية” في باريس التي كانت محطة انطلاقهم ومستقرهم، قبل أن يتوجهوا منها إلى أوروبا، ويقدموا عروضهم في كبريات المسارح الأمريكية في نيويورك ولاس فيجاس وغيرها، وباتت أخبار عروضهم تظهر في الصحف بمختلف اللغات، وكتبت عنهم المقالات، وسط إقبال كبير من الجماهير ونجاح منقطع النظير.
كانت رتيبة، الابنة الكبرى لمحمود عفيفي، هي العنصر الرئيسي في الفرقة وبطلة عروضها والنجمة التي تأتي الجماهير لمشاهدتها في المقام الأول، وكانت الأقدر على القيام بالحركات الصعبة. في مطلع الخمسينيات، تزوجت رتيبة من تاجر مصري يُدعى “محمد الشامي”، وأنجبت منه ابنتها الأولى “سناء”، وبالرغم من ذلك، ظلت رتيبة تقود الفرقة وتقدم معها العروض في أوروبا وأمريكا.
فيلم فرنسي
في عام 1957 خاض الثنائي جمال وميمو تجربة سينمائية في فيلم فرنسي حمل اسم “ليس هناك سطو على ريكاردو”، وفي توقيت قريب من هذا التاريخ توفي والدهما محمود عفيفي مؤسس الفرقة ومديرها، ثم حملت رتيبة في ابنتها الثانية “مها”، هنا رأى زوجها محمد الشامي ضرورة توقف رتيبة عن المشاركة في العروض المسرحية والعودة إلى مصر في نهاية عام 1958.
كان جمال وميمي وفوزي مرتبطين برتيبة، ويرون أن الفرقة لا يمكن لها أن تستمر دونها، لذا عادوا معها إلى مصر بناء على رغبة زوجها، ليكتبوا نهاية فرقة سيرك “الرباعي رمسيس”.
لوسي ابن طنط فكيهة
تجربة ميمي وجمال السينمائية في فرنسا، شجعتهما على التحول إلى السينما بعد تفكك الفرقة، لينجحا في المشاركة بثلاثة أفلام مصرية خلال عامين، هي “إسماعيل ياسين بوليس سري” و”إشاعة حب” والتي ظهر فيها جمال بشخصية لوسي ابن طنط فكيهة و”ملاك وشيطان”، ولكن طموح جمال وميمو لم يكن يقنع بتلك الأدوار السينمائية البسيطة، بعدما اعتادا على النجومية في المسارح العالمية، ما جعلهما محط أنظار الجماهير التي كانت تأتي لمشاهدة عروضهم المبهرة في مختلف أنحاء العالم، لذا قررا فجأة السفر إلى بلجيكا!
الهجرة إلى بلجيكا
كان لدى جمال وميمي في هذه الفترة ثروة كبيرة جمعاها من نجاحهما في الخارج، وأثناء وجودهما في أوروبا تعرفا على مخرج بلجيكي اتفقا معه أن يقوم بإخراج فيلم من إنتاجهما في نهاية الخمسينيات، ولكن سفرهما إلى مصر بصحبة شقيقتهما الكبرى أوقف المشروع، وبعد تجاربهما القليلة في مصر، رأيا أن يعودا إلى بلجيكا عام 1960 لاستكمال مشروعهما السينمائي الذي وضعا عليه آمالا كبيرة، على أمل أن يعودا مجددا إلى مصر بعدما يصبحان نجمين كبيرين في عالم السينما، ليغادرا مصر وهما غير مدركين لحجم التأثير الذي أحدثاه في السينما والآراء التي كانت تتنبأ لهما بمستقبل كبير!
ولكن القدر كان يخبئ لهما ما لم يتوقعاه، فبعدما أنفقا مبالغ طائلة على إنتاج الفيلم البلجيكي، استهلكت أكثر من نصف ممتلكاتهما، فشل الفيلم فشلا ذريعا، ولم يحقق أي عائد، وسريعا ما تم رفعه من دور العرض ونسيه الجميع، حتى إن الفيلم نفسه صار مفقودا حاليا.
زواج جمال من فتاة هولندية
خسارة الفيلم شكلت صدمة لهما، لذا قررا ألا يسارعا بالعودة إلى مصر، وقررا البقاء في أوروبا لفترة ربما استطاعا تعويض ما خسراه، خلال تلك الفترة، ارتبط ميمي بفتاة دنماركية أنجب منها ولدا وبنتا، كما تزوج جمال من فتاة هولندية ولكن لم يرزق منها بأبناء، ونتيجة تكوينهما عائلتين لهما في أوروبا، بات من الصعب عودتهما للاستقرار في مصر، لذا قررا أن يقيما مشروعا لهما بمشاركة أخيهما فوزي، مقره في إسبانيا.
الاستقرار في إسبانيا
ففي النصف الثاني من الستينيات، افتتح ميمي وجمال وفوزي رمسيس ملهى حمل اسم “شهرزاد”، كان يقدم عروضا فنية واستعراضات وحفلات غنائية، وكان مخصصا للزبائن الأثرياء “هاي كلاس”، وسريعا حقق هذا الملهى شهرة جيدة في مدينة مايوركا، خاصة أن جمال وميمي كانا يستقدمان إليه كبار الفنانيين والمطربين من مختلف بلدان العالم، الذين تعرفوا عليهم أثناء جولاتهم الفنية، خاصة نجوم أمريكا الذين عرفوهم في لاس فيجاس.
ولكن، ولسوء حظهم للمرة الثانية، بدأ نجم هذا الملهى يخفت تدريجيا وبدأ الإقبال عليه ينخفض مع مرور الوقت، بعدما أنفقا عليه مبالغ طائلة أيضا، والسبب في ذلك أن أوروبا كانت تشهد في هذا التوقيت انتشار ظاهرة “الديسكو” الذي كان بالنسبة للشباب أحدث صيحة في عالم الترفيه، لذا بدأ جمهور الملاهي ينصرف عنها تدريجيا ويتجه إلى تلك الصالات ذات الأضواء المبهرة.
خلال فترة الستينيات، كان جمال وميمي وفوزي، يأتون إلى زيارة مصر بين الحين والآخر، خاصة أن والدتهم كانت تقيم معهم في أوروبا، وكانت تحرص على زيارة ابنتها رتيبة، ولكن في العام 1971، قررت رتيبة وزوجها وبناتها الذهاب إلى أوروبا لزيارة والدتها وأشقائها، كانوا يخططون في البداية أن تكون رحلتهم مجرد زيارة يعودون بعدها إلى مصر، ولكن عودة رتيبة إلى أوروبا، ذكرتها بمجدها الفني وكيف تركت كل هذا وعادت إلى مصر التي لا يعرف أحد فيها قدرها ولا شهرتها.
لذا، وتحت تأثير من والدتها، طلبت رتيبة من زوجها أن يقيما في إسبانيا مع أسرتها بشكل دائم، ولكن محمد الشامي رفض، وأصر على العودة إلى مصر التي كانت فيها تجارته وأعماله، وكان يرى أنه لا مستقبل له في أوروبا، وأمام إصرار رتيبة على البقاء في إسبانيا، خيرها بين العودة معه إلى مصر أو الانفصال والبقاء في إسبانيا، فاختارت رتيبة الانفصال، ليعود الشامي وحده إلى مصر، بينما بقيت رتيبة وبناتها في مايوركا.
اجتماع الأسرة كلها معا واستقرارها نهائيا في إسبانيا، جعل زيارات ميمي وجمال إلى مصر تقل للغاية، فلم يعد هناك حاجة ملحة لزيارتها، ولكن كانا يأتيان كل عدة أعوام لزيارة أقاربهما في منوف لأسبوع أو أقل ثم العودة مجددا إلى أوروبا.
في السبعينيات، كان ميمي قد انفصل عن زوجته الدنماركية، وارتبط بأخرى من هولندا، كانت تقيم معه في إسبانيا وأنجب منها أيضا ولدا وبنتا، في هذه الفترة، فكر ميمي مع أشقائه في إجراء بعض التعديلات على ملهى “شهرزاد” بهدف إحياء الإقبال عليه، فأنفقوا عليه مجددا، وغيروا اسمه إلى “كليوباترا”، ولكن الإقبال ظل محدودا وفي تناقص، ليقرروا في نهاية الأمر إغلاق مشروعهم بعد خسارة معظم أموالهم.
وفاة ميمي
ورغم من أن ميمي رمسيس كان يتمتع بجسم رياضي ولياقة بدنية عالية كونه في الأصل لاعب أكروبات محترف، فإنه كان يعاني من مرض “حساسية الصدر”، ازدادت آلامها مع الوقت، وبدأت النوبات تشتد عليه، وفي إحدى تلك النوبات، لفظ ميمي أنفاسه الأخيرة عام 1979 أثناء إقامته في مايوركا بإسبانيا، وهو في أوائل الأربعينيات من العمر.
وفاة جمال
بعد وفاة ميمي وإغلاق الملهى، ترك جمال إسبانيا وقرر الإقامة في هولندا مع زوجته، وافتتح لنفسه مرسما يبيع فيه لوحاته وآلات تصوير، حيث كان الفن التشكيلي هو هوايته الثانية بعد فنون الأداء والتمثيل، وظل في هولندا إلى أن تقدم في العمر، حيث توفي في أحد مستشفيات أمستردام عام 2002، ليكتب السطر الأخير في قصة أشهر ثنائي غامض في تاريخ السينما المصرية، ميمو وجمال رمسيس.
رأفت الهجان
وكشف كاتبا التحقيق الاستقصائي أن ميمو وجمال لم يغادرا مصر بشكل مفاجئ، ولم يهربا لأي سبب، وإنما غادرا بحثا عن مجد سينمائي لم ينجحا في تحقيقه، ورغم ذلك كانا يزوران مصر بين الحين والآخر ويتبادلان الخطابات مع عائلتهما في منوف، ولكن غيابهما الطويل، فتح الباب لكثير من التكهنات التي تحولت مع مرور الزمن إلى حقائق لدى البعض.
جمال ربما لم يسمع أبدا عن أن البعض يربط بينه وبين العميل المصري “رفعت الجمال” – رأفت الهجان – بل ربما أنه لم يسمع برفعت الجمال من الأصل، حيث أكدت السيدة سوزانا ابن شقيقته رتيبة أنها لم تسمع هذه القصة من أسرتها على الإطلاق ولم تعرف أبدا بأمر رفعت الجمال.
ميمو وجمال غادرا مصر وهما غير مدركين حجم التأثير الذي تركاه خلفهما بأدوارهما البسيطة، وربما مات جمال في 2002، وهو لا يعلم أن المصريين مازالوا يتذكرونه هو وشقيقه وينسجون حولهما الكثير من القصص والشائعات، والدليل على ذلك أن سوزانا -التي تواصل معها فريق التحقيق- وشقيقتها الكبرى لم يعرفا بأن هناك من يهتم بأمر خاليهما إلا منذ فترة قصيرة، وفوجئتا بكم الأخبار والقصص المنتشرة عنهما بالمواقع المصرية وعلى اليوتيوب تحديدا، الذي ساهم بشكل أساسي في صناعة أسطورتهما.
رحل ميمو وجمال غريبين عن وطنهما، ودفن كل منهما في بلد بعيدا عن الآخر، بعد رحلة استثنائية أظهرا خلالها موهبة نادرة، وارتحلا فيها بين بلاد الله الواسعة.. رحل جمال وميمو وهما أبسط كثيرا مما توقع الجميع.