وسط أوضاع اقتصادية مُتردية في قطاع غزة بفعل الحروب المستمرة وغياب الحلول من حكومة حماس لتخفيض معدلات البطالة بلاإضافة إلى الكثافة السكانية العالية وعدد الشباب في سن العمل . وجد عمال غزة تصاريح العمل في إسرائيل منفذ ضروري للخروج من بؤرة الفقر ، والبطالة التي يعيشونها داخل القطاع . حيث لا توجد فرص عمل حقيقية في غزة للعمال والشباب، وهو ما يجعلهم يهرولون نحو العمل في إسرائيل بسبب الفارق الكبير في الأجور بين الجانبين، إذ أن العامل في القطاع إذا وجد فرصة للعمل فإن أجره لا يتعدى ال 20 شيكلاً بالعملة المحلية أو ما يساوي قرابة 7 دولارات بينما يتقاضى في إسرائيل ما يقارب ال100دولار في اليوم الواحد .
عاد عمال القطاع للعمل في إسرائيل خلال العام الماضي بعد توقف لسنوات وذلك ضمن اتفاق سياسي بين سلطات حماس التي تسيطر على غزة وإسرائيل عبر وسطاء من أبرزهم الجانب المصري، وجاء هذا الاتفاق ضمن صيغة توصلت لها الأطراف في اتفاق وقف إطلاق النار بين الجانبين. وكان من ضمن مطالب حركة حماس التي نص عليها الاتفاق هو السماح لعمال غزة بالعودة للعمل في إسرائيل وبأن يتم إصدار ما مقداره 30 ألف تصريح عمل، وبدأت إسرائيل فعلا في تنفيذ هذا البند إذ أن مجموع ما تم إصداره حتى اليوم وصل ل12 ألف .
تصاريح العمل والاستقرار الأمني
تعد خطة زيادة تصاريح العمل للفلسطينيين جزءًا من المحاولات التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية للسيطرة على الأوضاع الأمنية، خاصة على حدود قطاع غزة، لمنع تجدد الاشتباكات العسكرية، وتقليل احتمالات تنفيذ العمليات ضد إسرائيليين. يأتى ذلك انطلاقًا من رؤية إسرائيل لما يسمى «السلام الاقتصادى»، وفكرة أن تسيير حياة الفلسطينيين سيجعلهم أقل ميلًا للعنف، لأنهم ببساطة سيكون لديهم ما يخشون خسارته.
وتهدف إسرائيل أيضًا إلى استغلال تلك الرؤية فى تسهيل التفاوض مع حركة حماس، لأن زيادة التصاريح يمكن اعتبارها بادرة حسن نية، وتؤدى أحيانًا إلى شراء الوقت وتأجيل المواجهة العسكرية، ومنع الفصائل الفلسطينية من إطلاق الصواريخ تجاه إسرائيل.كان لهذه الخطوات التي اتخذتها إسرائيل دوراً كبير في إحداث تغييرًا تدريجيًا فى الأوضاع الاقتصادية فى القطاع، خاصة عند وضعها جنبًا إلى جنب مع خطوات زيادة المساحة المسموح للأهالى بالصيد فيها، والسماح بزيادة تصدير البضائع الزراعية والنسيج من غزة إلى إسرائيل ودول أخرى، وكذلك السماح بدخول المزيد من مواد البناء إلى القطاع.
وتهدف التسهيلات الاقتصادية إلى تحقيق استقرار فى الوضع الاقتصادى فى القطاع، ومنع الانفجار، الذى قد يحدث بسبب الأزمات الاقتصادية، خاصة أن مكتب الإحصاءات الفلسطينى قد أعلن عن أن معدل البطالة بلغ ٥٠٪ خلال النصف الأول من سنة ٢٠٢١، قبل الحرب على غزة، التى ألحقت ضررًا كبيرًا بالبنية التحتية والاقتصاد فى القطاع، ما يعنى أن معدل البطالة اليوم أصبح أعلى بكثير. ونقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، عن مسئول بالقطاع، قوله إن هناك أكثر من ٣٠٠ ألف شخص يبحثون عن العمل فى غزة، ما يعد دليلًا على حجم الضائقة المعيشية التى يعانى منها الأهالى، لذا فإن أذونات العمل التى وافقت إسرائيل على إعطائها لن تحدث تغييرًا كبيرًا فى الأوضاع.
تصاريح العمل للفلسطينيين توجه للحكومات الإسرائيلية
منذ أعوام، كان عدد العمال الفلسطينيين فى إسرائيل لا يتجاوز ٥ آلاف عامل، لكنه أخذ فى الارتفاع بمقدار بضعة آلاف كل عدة أشهر. وحسب تقارير، صدرت فى يناير الماضى، فإن عدد العمال الفلسطينيين فى إسرائيل، من الضفة والقطاع، وصل إلى ١٠٦ آلاف عامل، إضافة إلى ٣٠ ألفًا يعملون فى مستوطنات الضفة، وعشرات الآلاف الذين يدخلون إسرائيل من دون تصاريح.
وظهر هذا التوجه على طاولة الحكومة الإسرائيلية خلال عهد رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو، وفى عام ٢٠٢٠، رغبت الحكومة فى رفع عدد تصاريح العمل من قطاع غزة إلى ٧ آلاف، وكان ذلك جزءًا من التفاهمات غير المباشرة مع حركة حماس الفلسطينية بغرض وقف المسيرات بالقرب من السياج الحدودى، لكن تلك التسهيلات لم تتحقق بسبب جائحة كورونا. وبعد ذلك، تم وقف دخول العاملين من القطاع وقفًا كاملًا مع بدء العملية الإسرائيلية «حارس الأسوار» على غزة، التى انطلقت فى شهر مايو ٢٠٢١، لكن بعدها بدأت الأعداد فى التزايد تدريجيًا، وتتولى المؤسسة الأمنية فى إسرائيل فحص الخلفية الأمنية للعمال الفلسطينيين قبل إعطاء تصاريح العمل.
تصاريح العمل تفاهم مشترك بين حماس وحكومة الضفة الغربية وإسرائيل
تمر عملية استخراج تصاريح العمل للفلسطينيين، خاصة من قطاع غزة، بإجراءات متعددة، فعلى كل عامل فلسطينى يرغب فى العمل على الجانب الإسرائيلى أن يرفع طلبًا إلى وزارة العمل فى القطاع، التى تديرها حركة «حماس» بشكل كامل، ثم يدرس الطلب، وينقل إلى مندوبى السلطة الفلسطينية فى القطاع، ومنها إلى رام الله لفحصها، ونقلها إلى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، التى تفحص الطلبات، ومن يجرى قبوله يكون عليه دفع ضرائب إلى وزارة الشئون المدنية فى القطاع.
اقرأ أيضا::
القبور العائمة .. شباب غزة يساق للموت بالهجرة غير الشرعية
وإذا كان العامل الفلسطينى من الضفة فإن الإجراءات تكون أقصر، إذ يجرى التقدم بالطلب مباشرة إلى السلطة الفلسطينية.
وحول التوزيع الجغرافى للعاملين فى إسرائيل، تتربع محافظة الخليل على رأس مناطق الضفة الغربية من حيث عدد الفلسطينيين الذين يعملون خلف الخط الأخضر، بسبب قربها الجغرافى من المدن الإسرائيلية الكبرى، مثل تل أبيب وأشدود، وتأتى بعدها مناطق جنين، ثم بيت لحم، ورام الله.وتعد مناطق طوباس وأريحا من أقل المحافظات الفلسطينية من حيث حصتها من تصاريح العمل فى الداخل الإسرائيلى، نظرًا لاعتماد سكانها على الزراعة.
أما من حيث مجالات العمل داخل إسرائيل، فإن العمل فى مجال البناء يعد أكثر المجالات استقطابًا للعمالة الفلسطينية، وهو ما تثبته الأرقام الرسمية، التى توضح أن ٧٠٪ من العاملين داخل الخط الأخضر يعملون فى مجالات البناء، فى حين يعمل ٢٢٪ منهم فى مجالات الزراعة، أما من تبقى منهم، وهم نسبة ٨٪، فيعملون فى قطاع الصناعة والخدمات.ويرجع ارتفاع العاملين فى مجال البناء على حساب القطاعات الأخرى إلى خطة حكومات إسرائيل فى العمل على بناء مزيد من الوحدات السكانية فى المستوطنات الجديدة.ويأتى تفضيل السلطات الإسرائيلية للعامل الفلسطينى عن العامل الأجنبى، سواء من الآسيويين أو الأفارقة، إلى أن العامل الفلسطينى ينفق أمواله التى يحصل عليها ضمن نفس الدائرة الاقتصادية، كما أن عددًا كبيرًا من العمال الفلسطينيين يتقن اللغة العبرية، كما أن عودة العامل الفلسطينى فى نهاية اليوم إلى منزله فى الضفة أو غزة يقلل من الأعباء الأمنية على إسرائيل.