البابا شنودة في ذكرى مئوية ميلاده.. علاقات صداقة بمشايخ الأزهر

السلايدر, ثقافة , Comments Disabled

تمر ١٠٠ عام غدا على ذكرى ميلاد البابا شنودة الثالث الراحل، البطريرك الـ١١٧ للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، الذى تعددت ألقابه وصفاته خلال العقود الماضية، فيما ظل حبه ثابتاً لا يتغير فى قلوب المصريين والعرب -مسلمين وأقباطاً- لمواقفه الوطنية.
وصف البابا الراحل، المولود باسم «نظير جيد» فى 3 أغسطس ١٩٢٣ نفسه بأنه مسيحى، تجرى فى عروقه دماء مسلمة، فقد جاء إلى الدنيا يتيماً وأرضعته بعض نساء قرية «سلام» التى شهدت ميلاد بابا العرب أو معلم الأجيال.
60 عاماً أمضاها الراحل فى خدمة الكنيسة من 89 عاماً عاشها بابا الإسكندرية، إذ طرقت فكرة الرهبنة بابه وهو فى السابعة عشرة من عمره، ليبدأ من وقتها إعداد نفسه لتلك اللحظة، ويدخل الدير وهو فى سن الـ31، وتجرى رسامته باسم «الراهب أنطونيوس السريانى» بعد أسبوع من دخوله الدير وبعد عامين من رهبنته أحب البرية وحياة الوحدة فاتجه إلى مغارة فى الصحراء ليخرج منها بعد 6 سنوات كأول أسقف للتعليم فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

 

دعم البابا الراحل الوحدة الوطنية فى عدد من المواقف الواضحة، منها لقاؤه مع الرئيس السادات فى 26 ديسمبر 1976، حيث تناول الرئيس والمجمع المقدس خلال ذلك اللقاء، دعم الوحدة الوطنية، كما شارك فى لقاء السادات مع قيادات الدين الإسلامى والمسيحى فى قصر عابدين، لتهدئة الشعور المصرى، وبث روح الترابط بعد أحداث 18 و19 يناير 1977، ووأد الفتنة فى منطقة الخانكة، بحكمته ووطنيته، وخرج من كل هذه الأزمات، أكثر التحاماً بالوطن وتمسّكاً به.

وفى عام 1986 دشّن «شنودة» تقليداً جديداً لإقامة الأقباط موائد الإفطار، حيث أقام مائدة جماعية فى رمضان بالكاتدرائية دعا إليها البابا، شيخ الأزهر ورئيس الوزراء وكل قيادات الدولة و150 فرداً، وأقامت وزارة الأوقاف، ثم الأزهر، ثم الكنيسة حفلات إفطار متتالية فى رمضان، واستمرت مائدة الإفطار كل عام، حتى عام 2010، ووصل عدد الحاضرين إلى 1500، وكانت موائد الإفطار تشهد حل الكثير من المشكلات بعيداً عن الرسميات.

وضع صورة الشيخ «الشعراوى» على مكتبه وصلى ليُكمل الله شفاءه ويعود معافى من الخارج
وجمعت البابا شنودة الثالث وعلماء وشيوخ الأزهر علاقة اتسمت بالود والمحبة، تجلّت فى الكثير من المواقف، منها الزيارات المتبادلة فى الأعياد والمناسبات للمجاملة والتهنئة وحتى فى العزاء، وكانت علاقته مع شيخ الأزهر علاقة ترابط وتفاهم واحترام متبادل ظهر فى كل أمر مشترك يستوجب الاتفاق بين الكنيسة والأزهر. وبدأت العلاقة الطيبة التى جمعت البابا الـ117 من بطاركة الكنيسة مع الشيخ الشعراوى، منذ أرسل البابا وفداً من الكنيسة لزيارة الشيخ فى الخارج خلال إجرائه عملية جراحية فى لندن، وقدم له مع الوفد الكنسى «علبة شيكولاتة والورود»، وكان البابا يضع صورته على مكتبه لكى يصلى له، ومن أجل أن يُكمل الله شفاءه ويعود إلى مصر بكامل صحته بعد إجرائه الجراحة، وعندما عاد «الشعراوى» إلى مصر بعد تعافيه أصر على زيارة «شنودة» فى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، فاستقبله البابا استقبالاً حافلاً وبرفقته عشرات الأساقفة والكهنة.

وكان هذا هو اللقاء الأول الذى جمع بين بابا الإسكندرية والشيخ الشعراوى، واستمر اللقاء لمدة ثلاث ساعات أكثر مما حُدّد له، إذ كان من المقرر أن يستمر لمدة ساعة، وقدّم «الشعراوى» للبابا عباءة سوداء كنوع من الشكر على ما فعله البابا خلال فترة مرضه، وعلق عليها «شنودة» بقوله: «نحن نريد للمجتمع كله أن يعيش تحت عباءة واحدة». ورثا البابا شنودة الشيخ الشعراوى حين توفى، قائلاً: «خسرنا شخصية نادرة فى إخلاصها ونقائها وفهمها لجوهر الإيمان»، ولم يستطع أن يُخفى ملامح الحزن على وجهه.

فيما جمعت البابا الراحل وفضيلة الشيخ محمد سيد طنطاوى، شيخ الأزهر السابق، علاقة امتدت إلى ربع القرن منذ كان مفتى الجمهورية، واتّسمت خلاله علاقتهما بالعمق والقوة والصداقة والمحبة والتشاور فى كل ما يخص مصلحة مصر، كما وصفها البابا شنودة.

وتجلت صداقة بابا الإسكندرية وشيخ الأزهر فى الكثير من المواقف الإنسانية التى أظهرت الوحدة الوطنية بينهما دون التفرقة بين مسلم أو مسيحى عندما قام «شنودة» بعد عودته من رحلة علاج بأمريكا بزيارة شيخ الأزهر فى المشيخة بالدراسة، وتقديم التهنئة بقدوم العيد والصعود إلى الدور الثانى، وقد رفض «طنطاوى» بشدة نظراً لظروف مرضه، ولكن البابا أصر على الصعود لتقديم التهنئة وكان معه وفد من الكنيسة للغرض نفسه.

وفرح البابا شنودة كثيراً عندما وقع الاختيار على فضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، ليكون خلفاً للشيخ طنطاوى، واستبشر خيراً، وكان شنودة يُلقب فضيلته بـ«الشيخ الطيب أحمد الطيب»، واستطاع الاثنان عبور أزمات كثيرة مرت بها مصر بحكمتهما، وكانا دوماً على اتصال، خاصة بعد ثورة 25 يناير، فكانت الكنيسة والأزهر تتصدران المشهد فى ذلك الوقت.

كما جمعته علاقة محبة بفضيلة مفتى الجمهورية الأسبق الدكتور على جمعة، توطدت أكثر بعد حادث كنيسة القديسين، ومن وقتها وحتى وفاته، كان «جمعة» على اتصال دائم بقداسته، وكان كثير الزيارة له، والسؤال عن صحة قداسته، وكانا يتبادلان الهدايا التذكارية، وحتى على مستوى علماء المسلمين فى الدول العربية كان دوماً محل تقديرهم وإعجابهم حتى إنه دعى مرات ليُلقى كلمات فى مؤتمرات عن التجديد فى الفكر الدينى.

وظهرت وطنية البابا شنودة الثالث فى جنازته، فقد ودّع المصريون، مسلمين ومسيحيين، جميعاً البابا الـ١١٧ فى جنازة مليونية يصفها المؤرخون بأنه لم ينلها إلا ثلاثة فى تاريخ مصر بهذه الكثافة، وهم الرئيس جمال عبدالناصر والسيدة أم كلثوم والبابا شنودة، فلم يخرج فى وداعه المسيحيون فقط، كما شهد الطريق الصحراوى إلى الدير يوم دفن البابا شنودة عدداً من السيارات لم يشهده من قبل، وحرص المجلس العسكرى على لف جثمانه بعلم مصر، وتم نقله من القاهرة إلى دير الأنبا بيشوى بوادى النطرون فى طائرة عسكرية خُصّصت لتلك المهمة.

 


بحث

ADS

تابعنا

ADS