تحية كاريوكا، تحل اليوم الأربعاء، ذكرى رحيل إحدى الراقصات الأسطوريات اللواتي تركن بصمتهن في تاريخ الفن والثقافة المصرية، تحية كاريوكا، حيث رحلت فى 20 سبتمبر من عام 1999، وتركت بصمة مميزة في عالم الفن بباقة متنوعة من الأعمال التي خلدتها طوال مشوارها الفني ولا يزال إرثها الفني حاضرًا رعم الرحيل.
لم تكن تحية كاريوكا راقصة وفنانة فقط، ولكنها حملت بداخلها صفات “الجدعنة”، والشجاعة، وهو ما ظهر في الكثير من المواقف الشهير لها.
قصة حياة تحية كاريوكا
ولدت تحية كاريوكا في الإسماعيلية لأمها فاطمة الزهراء، التي كانت الزوجة السابعة لأبيها، باسم تحية بدوية محمد علي النيداني كُريم في 22 فبراير عام 1919، كانت تميل كالفتيات إلى الرقص في المناسبات العائلية، ورغم تعنيف الأخ على أصغر الأخطاء، كان الأب حنونا عطوفا، برحيله تغير حيال تحية.
وتبدلت الأحوال مع تحية كاريوكا بعد وفاة أبيها، وقادتها الظروف للعيش مع أحد أشقائها، وكانت تلك نقطة تحول في حياتها، ففي بيت الأخ لم تلقَ سوى المعاملة القاسية، فكانت تتعرض للضرب والتعنيف والتعذيب لدرجة كي جسمها وقص شعرها، حتى قررت أن تهرب وهي ما زالت في الرابعة عشر من عمرها، لتتخلص من الظلم الذي تعيشه. حافية تجري على قدميها، قطعت كاريوكا المسافة من الإسماعيلية إلى أبو صوير، تبكي وتخشى أن يلحظ فرارها أحد، استقلت القطار المتجه إلى القاهرة، وبدأت رحلتها نحو مجهول لم يتبين لها ملامحه، ولكنها رأت فيه النجاة من قسوة الأخ ومرارة الحياة التي أذاقها إياها. بعد أن عطف عليها مستقلو القطار، بسبب بكائها الشديد، ودفعوا لها ثمن التذكرة، قررت تحية أن تبحث عن سعاد محاسن، إحدى فنانات شارع عماد الدين، التي زارت الإسماعيلية مع أحد الأقارب، وفي رحلة بحثها، صادفت آخرين، كانوا حلقة الوصل للسيدة بديعة مصابني. معلمتها الأولى.
مع فرقة بديعة مصابني في شارع عماد الدين، التي كانت نجمة هذا الزمان، ذاع صيت تحية، فكان بوابتها نحو التمثيل والشهرة، فكانت في البداية فتاة صغيرة ترقص مع الجموع، استطاعت أن تخطف الأنظار وتطور من نفسها، كما كان سليمان باشا نجيب يهتم بتعليمها وتثقيفها فنيا واجتماعيا. أصبحت تحية “البنت بتاعة الكاريوكا”، بعد أن برعت في تقديم رقصة الكاريوكا، ومنها لمع نجمها واشتهرت بـ “تحية كاريوكا”، ولفتت انتباه المخرج توجو مزراحي، فعرض عليها التمثيل بأحد أفلامه، “الدكتور فرحات” عام 1935، الذي كان بدايتها مع السينما، وانطلقت من بعده تؤدي كثير من الأعمال الدرامية في المسرح والتلفزيون أيضا.
أفلام تحية كاريوكا
أفلام تحية كاريوكا تركت تحية كاريوكا للسينما أفلاما خلدها التاريخ، فلم تكن راقصة محترفة ومؤدية عادية، بل كانت قادرة على أداء أدوارها بجدارة وثقة، في الغالب كانت نابعة من طبيعة شخصيتها التي تفعل ما يمليه عليها إيمانها، فقدمت أكثر من 150 فيلم، من بينهم: (لعبة الست، منديل الحلو، ابن الفلاح، يحيا الفن، أوعى المحفظة، فيروز هانم، صاحبة العصمة، شباب امرأة، خلخال حبيبي، وا إسلاماه، ام العروسة، التعويذة، الصبر في الملاحات)، وكان آخرها فيلم الجراج عام 1995. من بين الأفلام التي شراكت بها تحية كاريوكا، تم اختيار 10 أفلام منها ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، وهم: شباب إمرأة.
كما شاركت تحية كاريوكا في أفلام إحنا التلامذة، أم العروسة، وا إسلاماه، الكرنك، زائر الفجر، خلي بالك من زوزو، الفتوة، السقا مات، للحب قصة أخيرة. كانت تحية كاريوكا قادرة على أن تتقبل تغيرات أدوارها مع كبرها في العمر، فاقتنعت بدور الام واتقنت في تقديمه في (خلي بالك من زوزو، وأم العروسة)، كما قدمت أعمالا أخرى للمسرح، مثل (القنطرة، الباب العالي، حضرة صاحب العمارة، يحيا الوفد، بلاغ كاذب، شفيقة القبطية)، واشتركت في مسلسلات تلفزيونية، منها (صابر يا عم صابر، سر الأرض، حكايات هو وهي، مخلوق اسمه المرأة).
https://www.youtube.com/watch?v=tAl9T_oc5_Y
وعملت تحية كاريوكا كذلك في المسرح مع الفنان إسماعيل يس، كما أسست فرقة مسرحية مع الفنان فايز حلاوة.
رقم قياسي في عدد أزواج تحية كاريوكا
أزواج تحية كاريوكا تعتبر تحية كاريوكا من أكثر الفنانات الاتي تزوجن، فالبعض يقدر أن زيجاتها وصلت إلى 14، كانت أولها من أنطوان عيسى، ابن شقيقة بديعة مصابني، ثم انفصلا بعد ما يقرب العام، وبعده ظلت لستة أشهر متزوجة من محمد سلطان باشا، وبعد الانفصال تعرفت على الضابط الأمريكي ليفي، وتزوجته لفترة قليلة بعد أن أشهر إسلامه، وسافرت معه ولكنها لم تقبل الحياة بالخارج وبعد أن وقعت عقد عمل سينمائي، جازفت وقامت بدفع الغرامة، التي يقال إنها تقدر بـ 65 الف جنيه لتعود إلى مصر، ثم تزوجت من المخرج فطين عبد الوهاب، وكان مساعد مخرج، ولكن غيرته جعلتهما ينفصلان سريعا.
تزوجت تحية من الفنان أحمد سالم، ثم انفصلت عنه بعد شائعات عن علاقته بإحدى الفنانات، ولمدة شهرين، كانت تحية متزوجة من حسين عاكف، طيار الملك فاروق الخاص، كما تزوجت من الضابط مصطفى كمال صدقي، وعبد المنعم الخادم، الذي استمر زواجها به لخمس سنوات، وبعد الانفصال عنه تزوجت البكباشي طبيب حسن حسين. ومن بعده تعرفت على المطرب محرم فؤاد، وتزوجته لفترة حين كان مطربا صاعدا، التقت بعدها أحمد ذو الفقار صبري، وتزوجا لعام، استمر زواج تحية كاريوكا بالكاتب المسرحي فايز حلاوة لمدة 18 عاما، ولكنها لم تنتهِ بصورة جيدة، فدخلت الخلافات المالية، ووصل الأمر إلى القضاء، وفي حين كانت هي على مشارف أن تربح القضية، علمت أن فايز حلاوة تزوج ورُزق بطفل، فتنازلت عن حقها، واعتبرته رزق الطفل الذي لا ذنب له، وهو الموقف الذي أثر في حلاوة، وجعله يطلب منها الغفران أثناء وجودها في المستشفى في أيامها الأخيرة، وكانت آخر زيجاتها من المخرج حسن عبد السلام.
ومن بين قصص حب رشدي أباظة، وعلاقاته المتعددة، وزيجاته من كثيرات، ظل يقول إن ارتباطه وزواجه من تحية كاريوكا كان الأفضل، وكانت تعتبره تحية أيضا أحب أزواجها، ولكن علاقته بأخرى وخيانته لها، كانا السبب في الانفصال، الذي لم يمنع رشدي أباظة أن يوصي بأن تكون تحية كاريوكا الوحيدة المسموح لها بزيارة قبره، في حين كانت هي تعتبره الزوج الوحيد رغم تعدد زيجاتها التي باتت في سنواتها الأخيرة لا تتذكر عددها. فالزوج الذي يصغرها بأعوام، كان متعدد العلاقات، وكانت تحية لديها من الكبرياء وعزة النفس ما يجعلها ترفض معاملتها باستهانة، ففي أثناء سفرها مع رشدي أباظة إلى لبنان، اكتشفت خيانته له مع مغنية فرنسية، فلم تتمالك أعصابها، ورفضت أن تستمر في هذه الزيجة، فتم الطلاق، رغم محبتها الشديدة له.
مواقف تحية كاريوكا السياسية
وللفنانة تحية كاريوكا الكثير من المواقف السياسية والنضالية في النشاط السياسى بدأت نشاطها السياسى منذ عام 1948، أثناء مساعدتها للفدائيين لدرجة أنها كانت تنقل السلاح لهم في سيارتها الخاصة دون خوف، وكان بداخلها إيمان قوى بدورها تجاه بلدها، كما أنها شاركت في المقاومة خلال العدوان السياسي عام 1956، وتم إلقاء القبض عليها أكثر من مرة، ومن الصور النادرة للنجمة الراحلة صورة وهى ممرضة متطوعة فى مستشفى قصر العينى أثناء حرب أكتوبر 1973.
في الأربعينات، حين كانت تحية كاريوكا منضمة إلى أحد التشكيلات الشيوعية اليسارية، رغبة منها في أن تكون صاحبة دور وطتي وسياسي ينحاز لمصلحة بلدها، من وجهة نظرها، وكانت تقيم الاجتماعات في منزلها غير عابئة بالتبعيات التي قد تلاحقها. كان محمد أنو السادات، خلال هذا الوقت، ضابطا في الجيش، ولكنه كان يواجه اتهام في قضية تخص جاسوس ألماني، والبعض يعتقد أنه كان يهرب من قضية مقتل أمين عثمان، ولكن تحية كاريوكا لم يعنها كثيرا السبب، واهتمت أن تقدم المساعدة، فخبأته في مزرعة أختها مريم بالإسماعيلية، وعمل بها سائق لسيارة نقل.
تذكر الرئيس الراحل أنور السادات الموقف، وقم بتكريمها بعد دورها في فيلم الكرنك، معبرا عن امتنانه لكرم عائلتها واستضافتهم له في منزلهم، حينها باغتته تحية كاريوكا مازحة “يا ريس إحنا كنا مخبينك”، فأكمل على حديثه أنه عمل بالمزرعة أيضا، وتدخل الفنان فريد شوقي بسخرية مرحة “ويا ترى كانوا بيقبضوك كويس ياريس”، ليأتي هذا الموقف بعد سنوات تخطت الثلاثين تقريبا، ولكن المكرم وحسن الخلق و”الجدعنة” فضائل لا يمكن نسيانها وجميعها اجتمعت في شخص تحية.
كانت تحية أيضا مناصرة لثورة يوليو 52 في بدايتها، وكانت ترى فيها أملا لتحسين أحوال المصريين، ولكن حين لم يعجبها الحال، لم تترد في البوح والتعبير عن رأيها، وقالت في إحدى الجلسات إن الثورة أطاحت بفاروق، لكنها أنتجت 12 فاروق، لتقبع بسبب جملتها هذه 101 يوم داخل السجن، لأنها هاجمت الثورة. وظل موقفها في مهرجان كان السينمائي عام 1956، الذي شارك به الفيلم المصري “شباب امرأة”، الذي شاركت ببطولته، مخلدا لا يُنسى، فهذا العام شهد العدوان الثلاثي على مصر، وكان هناك تحيز ضد الوفد المصري المشارك بالمهرجان، ومن ضمنهم تحية كاريوكا، فقررت ان تلفت الانتباه لهم، فارتدت “الملاية اللف والشبشب”، معتبرة إياها زي مصري مميز.
نجحت تحية في ما أرادت، وفي أثناء تناول الطعام كأحد طقوس المهرجان، لم يرق لها ما سمعته على لسان سوزان هيوارد الممثلة الأمريكية، التي كانت تنتقد العرب وتنحاز لإسرائيل في صراعها مع العرب، فبدأت تحية تهاجمها، وهنا تدخل الممثل الأمريكي اليهودي داني كاي، في محاولة منه لرد الإهانة عن زميلته، وما كاد يتحدث حتى باغتته تحية بصفعة قوية على وجهه، حرمت الفيلم المصري من حصد الجوائز بالمهرجان، ولكنها حفظت كرامة الوفد المصري. وفي عام 1987، شجعت تحية كاريوكا الممثلين وأعضاة نقابة المهن التمثيلية على الإضراب ضد قانون النقابات، الذي اعتبروه حينها مجحف وظالم، ويتدخل بالتعيين أو الحل لمجالس النقابات، فظلت مضربة عن الطعام داخل أسوار النقابة لما يقرب 10 أيام.
ومن الصور النادرة للنجمة الراحلة صورة وهى ممرضة متطوعة فى مستشفى قصر العينى أثناء حرب أكتوبر 1973.
وتوفيت تحية يوم 20 من سبتمبر في عام 1999 في معهد ناصر الطبي عن عمر يناهز 80 عامًا إثر إصابتها بأزمة حادة في الجهاز التنفسى.