تحل اليوم ذكرى ميلاد الفنانة الراحلة تحية كاريوكا، فى 22 فبراير 1915 بمحافظة الإسماعيلية، ودخلت عالم الرقص والفن وهى فى سن صغيرة.
وتعد من أشهر نجمات السينما في فترة الأربعينيات من القرن الماضي، وطغت موهبتها التمثيلية على الرقص الشرقي، وشاركت في بطولة حوالي مئة فيلم، من أبرزها “لعبة الست” (1946)، و”شباب امرأة” و”سمارة” (1956)، و”شاطئ الأسرار” (1958)، و”أم العروسة” (1963)، و”خلِّي بالك من زوزو” (1972) مع السندريلا سعاد حسني، و”الوداع يا بونابرت” (1985).
بدأت بوادر الموهبة تظهر على الطفلة الصغيرة منذ الطفولة، وكان تملك روح خفيفة وتقليد للشخصيات، إلى جانب مواهبها فى الاستعراض والرقص، مما شجعها على عشق الفن منذ الصغر.
تركت الفنانة تحية كاريوكا بيت الأهل هرباً من سوء المعاملة، وبعد أن رحلت إلى القاهرة، بدأت رحلتها بعد لقائها ببديعة مصابني، والتى تبنتها الأخيرة فنياً وضمتها كراقصة إلى فرقتها، وبسبب روحها وحالة المرح التي كانت تتمتع بها، جاءتها الفرصة لتشارك كممثلة، وهي الفرصة التي تمسكت بها وقدمت من خلالها مشوار فنى كبير.
نشاط تحية كاريوكا السياسي
وامتلكت تحية شخصية كارزمية، ومارست النشاط السياسي السري قبل ثورة يوليو 1952، وألقي القبض عليها أكثر من مرة، وساعدت الضابط ـ آنذاك ـ محمد أنور السادات في هروبه من معتقل الإنجليز، وبعد سنوات كرمها الرئيس السادات في احتفال عيد الفن، وحين صعدت إلى منصة التكريم، صافحها الرئيس، وأثنى على مشوارها الفني، وتاريخها الوطني المُشرِّف. وتعرضت النجمة صاحبة النشاط السياسي للسجن عام 1953، بعد زواجها من مصطفى كمال صدقي، أحد “الضبّاط الأحرار” والذي انشق عنهم، ووُجهت لها تهمة الترويج لمبادئ هدّامة وتوزيع منشورات عُثِر عليها في شقتها، وقضت كاريوكا في السجن حوالي 100 يوم، حتى ثبُتت براءتها بعد اعتراف زوجها بأنها لا تعرف شيئًا عن تلك المنشورات.
قدمت الفنانة تحية كاريوكا الكثير من التضحيات الوطنية، فداء لكل المراحل العصيبة التي مر بها الوطن، وظهر جلياً فى دعمها المادي للقوات المسلحة المصرية، والتبرع بمجوهراتها للجيش المصري، إلى جانب تهريب السلاح فى سيارتها الخاصة، دون خوف من أى مصير قد تتلقاه مقابل فدائيتها وتضحيتها تجاه بلدها، وكرمها الرئيس جمال عبدالناصر، على كل تلك التضحيات التى قدمتها والدور الوطنى الكبير الذي ضربت به مثلاً يحتذى به.
أبرز الأعمال الفنية للفنانة تحية كاريوكا
واعتزلت كاريوكا الرقص في منتصف الخمسينيات، وتركت الساحة لمنافستها الفنانة سامية جمال، وتفرغت للسينما والمسرح، وأسست فرقة مسرحية مع الفنان فايز حلاوة، وتعاونت مع أجيال من المخرجين، منهم صلاح أبوسيف ويوسف شاهين وحسن الإمام وحسام الدين مصطفى وحسين كمال وفطين عبدالوهاب.
قدمت الفنانة تحية كاريوكا تاريخ فني كبير من خلال العديد من الأعمال الفنية أبرزها فيلم “للحب قصة أخيرة، شباب إمرأة، إبن للإيجار، حماتك تحبك، الستات فى خطر، أخيراً تزوجت، عاشور قلب الاسد، حميدو، المساكين، ليلة ممطرة، لن أعود، عفريت سمارة”.
وعلى مستوى الدراما التليفزيونية قدمت الفنان تحية كاريوكا العديد من الأعمال الدرامية “مخلوق اسمه المرأة، المنزل الخلفي، أهل الطريق، ينابيع النهر”.
وعلى مستوى المسرح قدمت الفنانة تحية كاريوكا العديد من الأعمال المسرحية أبرزها “أوراق رسمية، حارة الشرفاء، شباب إمرأة، لوكاندة شهر العسل، عفاريت الست شوقية، أم العروسة”.
أزواج تحية كاريوكا
تعد تحية كاريوكا من أبرز الفنانات صاحبات الأرقام القياسية في عدد الزيجات، فقد تزوجت 14 مرة، وقيل 17 مرة، وكان زواجها الأول من أنطوان عيسى ابن شقيقة بديعة مصابني بعد أن أشهر إسلامه وغيّر اسمه إلى محمد المهدي، وكان ذلك في عام 1939، وانفصلا بعد عام واحد في ربيع عام 1940، ثم تزوجت من مصطفى جعفر الذي كان يمتلك العديد من دور السينما، وانفصلت عنه بعد شهور قليلة، وذلك حسب رواية الفنانة الراحلة رجاء الجداوي ابنة شقيقتها. وفي نفس العام تزوجت من محمد سلطان باشا، أكبر أثرياء مصر في ذلك الوقت، إلا أنها انفصلت عنه بعد أن طلب منها اعتزال الرقص، ثم تزوجت من ضابط أميركي يُدعى “ليفي” الذي أشهر إسلامه واصطحبها إلى الولايات المتحدة، إلا أنها ما لبثت أن انفصلت عنه أيضًا.
وبعد ذلك تزوجت من المخرج فطين عبدالوهاب وانفصلا بسبب غيرته الزائدة، ثم تزوجت من الفنان أحمد سالم الذي انفصل عن زوجته أمينة البارودي من أجل الزواج من تحية التي أحبته بجنون، وسافرت معه في رحلة إلى فلسطين، قبل نكبة 1948، وهناك ترددت شائعات قوية عن وجود علاقة بين سالم والمطربة أسمهان فانفصلت تحية عنه قبل العودة إلى القاهرة. ودخلت كاريوكا إلى القفص الذهبي للمرة السادسة، حين تزوجت من طيار الملك فاروق الخاص، حسين عاطف، لكنهما انفصلا بعد شهرين فقط، بعدما ظهر النجم الصاعد ـ آنذاك ـ رشدي أباظة في حياتها، وتزوجته وسافرت معه إلى لبنان وهناك ضبطته في أحد الملاهي يجلس مع سيدة فرنسية، ودون مقدمات شدت المرأة الفرنسية من شعرها وضربتها بقسوة وطلبت منه الطلاق في نفس الليلة. بعد طلاقها من رشدي أباظة، وبعد إنهاء أشهر العدة، تزوجت من أحد ضباط الملك، وهو البكباشي (المُقدِّم) مصطفى كمال صدقي، الذي اعتقل بعد قيام ثورة يوليو 1952 فانفصلت عنه.
وارتبطت كاريوكا بالشاب عبدالمنعم الخادم، وكان مشهورًا بوسامته وثرائه، واستمر زواجهما لمدة خمس سنوات، ما شكّل أطول زيجة لها حتى ذلك الوقت، ولكنها انفصلت عنه عندما بدأ بدوره مطالبتها باعتزال الرقص والتمثيل وكان ذلك في عام 1956. ثم التقت البكباشي طبيب حسن حسين وتزوجته لكنها انفصلت عنه بعد أن تسربت إليها شائعة بأنه على علاقة بالمطربة الصاعدة وقتذاك صباح. ومن شدة حبها وصدمتها في زوجها، ابتلعت كمية كبيرة من الحبوب بقصد الانتحار وجرى إنقاذها بصعوبة. وأضربت كاريوكا عن الزواج لثلاث سنوات، حتى التقت المطرب الشاب الصاعد ـ آنذاك ـ محرم فؤاد، فتزوجت منه في منتصف عام 1959، إلا أنها انفصلت عنه قبل أن تنهي السنة، وبعدها تزوجت من أحمد ذو الفقار صبري لمدة عام واحد فقط، وكان زوجها الأخير الممثل والكاتب المسرحي الراحل فايز حلاوة، وبقيت معه 18 عامًا، وانتهى زواجهما بمشكلات وخلافات وصلت إلى ساحات القضاء، وقيل إنها تزوجت من المخرج المسرحي حسن عبدالسلام، ولكن ابنة شقيقتها الفنانة رجاء الجداوي، نفت ذلك في مقابلة تلفزيونية.
وفى عام 1973 ابتعدت عن الأضواء بسبب زيادة وزنها، فاضطرت للسكن فى غرفة على السطح فى حارة شعبية بعدما خسرت أموالها، بجانب معانتها من وجود مياه بيضاء على عينيها، وتكفل بعلاجها الأمير السعودى “فيصل بن فهد”.
الراقصة والمفكر
المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد، نشر في “لندن ريفيو أوف بوكس” يوم 11 سبتمبر 1990، مقاله الاحتفائي “تحية إلى تحية”، الذي يعد محاولة جادة للكتابة عن فن الرقص الشرقي، وأثار الكثير من الجدل حول علاقة المفكر والراقصة.
وحكى إدوارد عن أول مرة شاهد فيها تحية كاريوكا عام 1950، عندما ذهب مع أحد زملائه إلى كازينو بديعة، وحين أُطفئت الأنوار إشارة إلى بدء العرض، وكان الكازينو مُمتلئًا تمامًا، وظهر المطرب عبدالعزيز محمود، وغنى “منديل الحلو” لأكثر من خمسين دقيقة، قبل أن تظهر تحية فجأة على بُعد بضعة أقدام خلف كرسي المطرب، وترتدي بدلة رقص زرقاء لامعة، ووقفت هناك واثقة تمامًا، وبدأت وصلتها الراقصة. وعاد إدوارد إلى القاهرة بعد ربع قرن في صيف 1975، وشاهد تحية في مسرحية مع فايز حلاوة، وأذهله مظهرها وأسلوبها، والراقصة الرشيقة بالغة الأناقة، تحوّلت ـ حسب وصفه ـ إلى قبضاي مُتبجح يزن 220 رطلًا، وكانت تقف، وتكرّ الشتائم، وتقذف بأغلظ النكات القصيرة، وأضيق التوريات وأسهلها، بأسلوبٍ رخيص لا يكاد أن يكون أهلًا للمشاهدة! وفي أواخر الثمانينيات، ضرب إدوارد موعدًا مع تحيّة من خلال صديقتها نبيهة لطفي مخرجة الأفلام التسجيليّة، فإذا بها تعيش في شقة صغيرة على بُعد شارعٍ من المكان الذي رآها ترقص فيه قبل أربعين عامًا. ورحّبت به وبنبيهة بنُبلٍ لم يتوقعه. وكانت أقل بدانة، وترتدي ثوبًا أسود قاتمًا، وتضع ماكياجًا بسيطًا، وتغظي ذراعيها وساقيها بكمين طويلين وجوربين غامقين، وجلسوا يتجاذبون أطراف الحديث، وراحت حياتها تمرّ أمام المفكر الكبير في استعراضٍ مهيب.
وفاة تحية كاريوكا
وفى 20 سبتمبر 1999 رحلت عن عالمنا الفنانة تحية كاريوكا عن عمر يناهز 84 عاما نتيجة تعرضها لجلطة رئوية حادة بعد عودتها من أداء مناسك العمرة” وكان لديها فتاة بالتبنى وهى فى السبعين من عمرها وكانت دائمًا تضحك مازحة مع صديقاتها وتقول: “خلفت وأنا سبعين سنة” وقبل وفاتها قامت بتوصية إحدى صديقاتها على تربية الفتاة اللى تبنتها.
لتنتهى مسيرة فنية حافلة ومسيرة وطنية لسيدة قدمت الفن والبطولات والتضحيات، واستحقت أن تكون رمز فني مصري وعربي، لفنانات جيلها.