تحل اليوم ذكرى ميلاد الفنانة رجاء عبده، التي ولدت عام 1919 في إحدى حواري منطقة شبرا، وبدأت عملها الفني منذ الطفولة.
خطت رجاء عبده خطواتها الأولى نحو عالم الغناء والشهرة. فقد عاشت في أسرة تتكون من ثلاثة أخوة وأختين.
وكانت والدتها تصحبها دائمًا معها إلى مولد القديسة «دميانة» بمدينة بلقاس عندما بلغت العاشرة. وكانت تغني وترتل هناك العديد من القطع التي حفظتها.
اسمها الحقيقي اعتدال جورج عبد المسيح. وقد بدأت حياتها تلميذة في مدرسة «صالحة» الابتدائية، حيث كانت تجمع الفتيات في أثناء الفسحة لتغني لهن بعض مما تحفظ قبل أن تنتقل إلى مدرسة نوتردام «Notre Dame des Apotres» بعد حصولها على الشهادة الابتدائية، فقد كان والدها يعمل وكيلًا في هيئة التلغرافات العمومية قبل أن يُحال إلى المعاش.
انت هذه المحطات الأهلية نقطة انطلاقها الأولى في دنيا الفن. وبدأت تنتشر بمساعدة إسماعيل عازف الكمان الهاوي نجل حسين باشا كامل مدير هيئة سكك حديد مصر الذي كان جارًا لأسرتها في ضاحية الزيتون. فذهبا معًا إلى محطة «سابو الأهلية» التي كان يملكها إدوارد خياط ليقدما بعض أغنيات أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب بين الفواصل الإعلانية نظير خمسين قرشًا تعطي منها عشرة قروش للفرقة الموسيقية وكذلك عملا معًا في «محطة مصر الملكية» لصاحبها الدكتور فريد رفاعي و«محطة فارق الأهلية» لصاحبها إلياس حتى وصل أجرها إلى جنيه مصري.
وبعد افتتاح الإذاعة اللاسلكية الحكومية المصرية عام 1934.قدمها داود حسني إلى الموسيقار مدحت عاصم الذي وافق على انضمامها إلى الإذاعة.
وكانت أولى حفلاتها في الخارج على مسارح فلسطين. وهناك دعيت لإحياء العديد من الحفلات في حيفا ويافا وكانت تتقاضى مئتي جنيه شهريًّا، فتمكنت لاحقًا من افتتاح محل لبيع الملابس والخردوات. وكانت لها العديد من الحفلات الناجحة في بغداد. كما اشتهرت بإحيائها العديد من حفلات الزفاف والأفراح في القرى والأقاليم المصرية، ووفقا لتصريحها في مجلة الكواكب، في 30/ 10/ 1953قالت غنيت حافية في بغداد!.
وجاءت انطلاقتها السينمائية الأولى عن طريق فيلم «وراء الستار» عام 1937 من بطولة المطرب عبد الغني السيد وإخراج كمال سليم. فقد استمعت إليها شركة «أوديون» للتسجيلات التجارية واتصلت بها كي تقوم ببطولته. وكان أجرها عن الفيلم مائة جنيه مما دفع والدتها إلى رفض هذا العرض باعتبار الأجر غير مجزٍ. فقررت الشركة عن طريق صاحبها ليتو وجوزيف باروخ الذهاب إلى والدها للشكوى من هذا التصرف. فطلب منها الوالد أن تترك المنزل وتقيم معه في بنسيون في شارع سليمان باشا كانت الشركة قد حجزته لهما. وتحلمت الشركة نفقات الإقامة كاملة بما فيها خمسين جنيهًا إضافية.
وشاركت بعد ذلك في فيلم «صرخة في الليل» عام 1938 من بطولة بدر لاما وإخراج إبراهيم لاما إلا أن انطلاقتها المدوية في السينما جاءت عن طريق مشاركتها محمد عبد الوهاب في فيلم «ممنوع الحب» عام 1942 مقابل 200 جنيه.
قصة رجاء عبده مع محمد عبد الوهاب
وليست هذه المرة الأولى التي تقدمت فيها رجاء إلى عبد الوهاب كي تشاركه البطولة فقد كانت من بين الفتيات اللائي تقدمن عن طريق المسابقة لبطولة فيلم «الوردة البيضاء» عام 1933. وقد ساعدتها عائلة «خزام» الأرستقراطية في ضاحية الزيتون بالتقدم للمسابقة، بعد أن ألبسوها فستانًا وحذاء بكعب عالٍ كي تبدو أكبر من عمرها الحقيقي آنذاك. وعندما غنت أمام عبد الوهاب أغنية «حسدوني وباين في عينيهم» أعجب بصوتها ولكنه أخبرها بأنها ما تزال صغيرة على الدور الذي يتطلب شابة ناضجة. ونزلت رجاء على السلالم والدموع تنهمر من عينيها، لكنه وعدها بأنه سيقدمها في السينما عندما تكبر وتصبح شهرتها على كل لسان.
ومع العرض الأول للفيلم غيَّرت اسمها إلى رجاء بدلًا من اعتدال تمامًا تيمنا باسم بطلة فيلم الوردة البيضاء حينها سميرة خلوصي.
البوسطجية اشتكوا من كتر مراسيلي
أما أغنيتها الأشهر على الإطلاق فهي البوسطجية اشتكوا من كلمات أبو السعود الإبياري وألحان عبد الوهاب.
وعلى الرغم من جمال هذه الأغنية التي جعلت الجمهور يطلق عليها فيما بعد مطربة البوسطجية فإن رجاء لم تكن مقتنعة بها من البداية لولا إصرار عبد الوهاب عليها.
وبلغ من شهرة الأغنية أن استغلتها الأنظمة المعادية لنظام عبد الناصر بعد ثورة يوليو في إسرائيل والإذاعة البريطانية بعد حرب السويس والعراق أثناء فترة حكم عبد الكريم قاسم، للسخرية من الزعيم جمال عبد الناصر لكون والده كان موظفا في مصلحة البريد، وتم منعها من الإذاعة وعندما علم الزعيم عبد الناصر بالأمر ضحك ساخرا وأمر بأن تذاع يوميا كما كرمها السادات ومنحها شهادة تقدير وطلب منها أثناء التكريم أن تغني البوسطجية اشتكوا.
إفلاس رجاء عبده بسبب فيلم
أما فيلمها الأخير «حبايبي كتير» عام 1950 مع كمال الشناوي وماجدة من إخراج كمال عطية كان بمثابة الانتكاسة في حياتها الفنية، نتيجة للفشل الذريع الذي مُني به، وبعد 13 عامًا استعادت رجاء التجربة في أحد الحوارات بقولها: «فيلم حبايبي كتير كان العقدة الأخيرة في سلسلة العقد التي أبعدتني عن الميدان. كان من إنتاجي ودفعت فيه كل ما أملك تقريبًا. صدمة الخسائر المادية ساهمت في عقدتي النفسية.
كباريه الحياة آخر ظهور لرجاء عبده
الظهور الأخير لها كان ضمن فيلم «كباريه الحياة» عام 1977 من بطولة فريد شوقي وإخراج محمود فريد. وفي هذا الفيلم أدت أغنية في «الحمام البلدي» في لقطة وحيدة حسب الدور المطلوب وهو عبارة عن فنانة لها أمجاد.
تزوجت رجاء عبده من الطبيب يوسف عطية عام 1947 بعد قصة حب. وتم الزواج بعدما طلبت منه رجاء أن يتقدم بشكل رسمي إلى أسرتها وكان من بين الذين أحيوا الحفل المطرب الناشئ حينها عبد الحليم حافظ. وقد أثمر هذا الزواج عن ولدين أكبرهما عصام الدين وأصغرهما عمر الخيام؛ الذي أسمته بذلك نظرًا إلى عشقها لفلسفة عمر الخيام.
ولم يدم هذا الزواج بينهما أكثر من 8 سنوات نتيجة لكثرة الخلافات وإدمانه لعب كاريه دام وهي نوع من أنواع القمار مما دفع رجاء إلى اللجوء إلى القضاء للانفصال عن زوجها حتى وقع الطلاق في عام 1954.
ودخلت رجاء عبده تدريجيًّا في حالة أشبه بالعزلة الفنية التي تخطت 10 سنوات فانحسرت عنها الأضواء ولم يعد يذكرها إلا القليل. واكتفت هي الأخرى بالحياة الهادئة داخل منزلها كي تربي أولادها وتفكر في بعض المشروعات التجارية مثل استئجار الباخرة سندريلا بالزمالك وإعدادها لتكون كازينو مائي. ومع حلول عام 1963 اتفق التليفزيون معها لتسجيل بعض أغنياتها القديمة خلال برنامج «قصة لحن».
ولم تكن أنشطة رجاء الفنية قاصرة فقط على السينما بل المسرح أيضًا فمثلت «يوم القيامة» من ألحان زكريا أحمد أمام عبد الوهاب حلمي في الأربعينيات وأوبريت «شهرزاد» من ألحان سيد درويش و«الدنيا بتجري» أمام إبراهيم حمودة و«زوبة الكلوباتية» أمام رجاء يوسف وإخراج أحمد طنطاوي. وشاركت كذلك في أوبريت «موسيقى من الفيلا» المجاورة و«غرام سحابة صيف» وهما من كلمات عبد العزيز سلام وألحان حليم الرومي في مطلع الأربعينيات. ولها أيضًا مسلسل «مع حبي وتقديري» مع عبد المنعم مدبولي خلال السبعينيات. وقد لعبت فيه دور مطربة تمتلك مسرحًا كبيرًا أحبت عبد المنعم مدبولي منذ 35 عامًا لكن الظروف لم تساعدهما على الزواج ولكنها التقيا مرة أخرى وفي هذا العمل غنت «لولا العشرة» من ألحان محمد نوح.
بعد عزلة طويلة قضتها رجاء في منزلها بعيدًا عن الفن والأضواء مكتفية بأصدقائها المقربين من خارج الوسط الفني بالإضافة إلى المطربتين لور دكاش ونجاة علي، فارقت رجاء الحياة في الثالث عشر من يناير عام 1999 بعد أن نُقلت إلى مستشفى القاهرة التخصصي بعد إصابتها بنوبة مرض السكري وجاء تشخيص الحالة العامة بهبوط حاد في الدورة الدموية. وقد شيعت جنازتها من كنيسة «مجرى العيون» في جنازة عائلية متواضعة.