روى الإمام أحمد والترمذي عن أبي كبشة الأنماري قال: سمعت النبي ﷺ يقول: (ثلاثة أقسم عليهن، وأحدثكم حديثًا فاحفظوه: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزًا، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر…) الحديث.
رغم أن المؤمنين يصدقون النبي ﷺ في كل ما أخبر عنه من غير قسم ولا حلف، وهذا من مقتضى الإيمان الذي لا يصح الدين إلا به، إلا أن النبي ﷺ أقسم على هذه الثلاثة الأمور؛ لتأكيدها أو لتحفيز السامع على فعل ما يقتضيه قوله، أو لأن الظاهر للناس خلاف ما سيقوله.
ما نقص مال من صدقة
الظاهر للناس أن الإنفاق من المال ينقصه، فمن كان عنده عشرة آلاف وتصدق بألف، تصبح تسعة، وهذا نقص في الظاهر. فأراد النبي ﷺ أن يطمئن قلوب المنفقين بأن المال لا ينقص، بل يبارك الله فيه ويزيده وينميه ويكثره. كما قال الله تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39].
ولا زاد عبد بعفو إلا عزا
الإساءة تتكرر في الحياة، سواء كانت كلمة نابية، أو نظرة عابسة، أو ظلما في النفس أو المال. الرد على الظلم والأخذ بالحق هو العدل، كما قال الله تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: 41]. لكنه سبحانه رغّب في العفو والصفح، وجعل مقام العفو أفضل من مقام الانتصار للنفس، {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40].
ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر
المقصود بالمسألة هنا سؤال الناس، والطلب منهم سواء كان مالًا أو حاجة. النبي ﷺ يبين أن الله يزيد السائل فقرا إذا كان يسأل بغير حق. السؤال من الناس فيه مذلة وإهانة للنفس، والإسلام يحث على العمل والجد والاعتماد على النفس، حتى قال النبي ﷺ: (لأن يأخذ أحدكم حبله على ظهره فيأتي بحزمة من الحطب فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه) [البخاري].
السائل بلا حاجة حقيقية يُفتح عليه باب الفقر، بينما من يسأل عن حق له في أموال المسلمين في الزكوات والصدقات لا يدخل في هذا الوعد؛ بل يمد له بالعون والرزق من الله.