الطفولة هي أفضل فترة يعيشها أي إنسان، فترة اللاقيود واللاهموم، حيث يكون الطفل أشبه بقطرة ندي نقية طاهرة سقطت علي وردة تشبثت الأتربة بأغصانها فغسلتها وأعادت لها اللمعان والبريق، ذلك بالضبط مايفعله وجود الطفل في مكان، يسلب من الحضور الهم ويتنزع منهم الضحكات وينسيهم كل الويلات.
وأكثر شئ يميز فترة الطفولة هو ذوبان الفوارق الإجتماعية، فتجد طفل بسيط جدا يلعب ويلهو مع طفل شديد الثراء، إبن الغفير يجلس مع ابن العمدة في ديسك واحد في الفصل الدراسي، الطفولة لا تعترف بتلك الفوارق الغريبة التي خلفتها أفكار أغرب منها.
حسن ولد لأب فقير يعمل في محلات “السنوسي” وكانت عبارة عن سلسلة ورش متعددة ومنتشرة في أكثر من محافظة من محافظات مصر، وكان يذهب حسن مع والده الميكانيكي ليتعلم المهنة من صغره، ولأن والده رجل مستقيم وتقي، كان يعتمد عليه الحج “السنوسي” في كثير من الأعمال، حتي أنه عندما اشتد به المرض قبل موته سلم كل مهما العمل لوالد حسن، وكان يذهب له في بيته الكبير ليسلم له الحساب ويراجع معه كل أمور العمل. ذاك أن أبناء “السنوسي” وهم ثلاثة رجال وفتاة كانوا لا يحبون مهنة أبيهم ويرفضون العمل بها.
الفتاة كانت في عمر حسن ذو العشر سنوات، أحبها حب طفولي الذي يسمي ” أحب اللعب معها” هذا الحب الرقيق النقي الذي لا يتداخل فيه الحقد ولا النوايا السيئة.
مرت السنوات وعندما دخل حسن في سن المراهقة منع من الذهاب إلي “غادة” وبعد وفاة الحج “السنوسي” ووفاة والد حسن، فوجئ بأبناء السنوسي يبيعون الورش ويسرحون كل العمال بها بحجة أنه عمل لا يناسبهم، وهنا لم يجد حسن أمامه إلا العمل في ورشة صغيرة حتي يساعد نفسه وأسرته.
مضت سنوات أخري صمم فيها حسن علي أن يتقن مهمنة الميكانيكي ويصقلها بالتعليم، فأجتهد ودخل كلية الهندسة قسم ميكانيا، وبرع في هذا القسم حتي إنه سجل عدة براءات إختراع قبل إنهاء دراسته.
وعندما تخرج أكمل عمله في الورشة، واستطاع أن يخترع “بستم” خليط بين الحديد والنحاس يستطيع العمل ثلاثة أضعاف البستم العادي، وهنا تقدمت العديد من الشركات لشراء هذا الإختراع وتقدمت له عدة عروض إختار أفضلها، واصبح مدير عام لأحد المصانع التي حصلت علي حق إنتاج البستم.
تغيرت حياته وحياة عائلته بشكل لايصدق في غضون شهور، وفي أحد الأيام بينما يتصفح الجرائد وجد خبرا يقول إن أبناء السنوسي يطلبون شريك يشتري منهم نصف الشركة التي افتتحوها بسبب مرورهم بضائقة مالية.
تحرك حسن بسرعة إكراما لوالدهم، وفوجئ الجميع عندما رأوه بكل هذه الوجاهة، ولأنهم يعشقون المكسب دون عناء، رسموا خطة مع أختهم الصغيرة حتي تتزوج منه ويستفيدوا من أمواله.
بالفعل تبادلوا الزيارات وتقربت منه غادة من جديد، فأستيقظ الحب الطفولي فأصبح حبا من نوعا أخر، ووقت قصير جدا وأتفقوا علي الزواج.
قبل الزفاف إجتمع بها إخوتها وطلبوا منها أن “تكسر عينه” من أول ليله وتجعله يعرف أنه ابن الميكانيكي الذي كان يعمل لديهم ليس اكثر، وأن عليه أن يرضخ لكل طلباتها دون نقاش.
وعقب إنتهاء الزفاف بنصف ساعة فقط، إختلي الزوج بزوجته، فإذا بها تنهره وتطلب منه طلبا غريبا، إذ وقفت رافعة أنفها للسماء وواضعة ساقها علي طاولة صغيرة أمامها وقالت بعجرفة، قبل أي شئ عليك أن تقبل قدمي!
ظنها تمزح في البداية ولكن عندما رأي منها جدية وتصميم علي طلبها، طلقها بعد نصف ساعة من الزواج، وندم علي هذا الزواج وأنهي كل تعاملاته مع اخوتها.