مرت العلاقات التركية الإسرائيلية منذ نشأتها في ١٩٤٨ – باعتراف تركيا بدولة اسرائيل كثاني بلد ذو أغلبية مسلمة بعد إيران يعترف بإسرائيل – مرت هذه العلاقات بمراحل عدة من حيث التقارب والتفاهم ثم اختلاف السياسات وتوتر العلاقات ثم مرة أخرى التقارب وتقديم التنازلات من أجل الحفاظ على قوة العلاقات.
علاقات يجني طرفيها الكثير من المكاسب خاصة الطرف التركي، فأنقرة التي تبادلت مع تل أبيب السفراء للمرة الأولى عام ١٩٩١ استفادت من علاقتها وقربها من إسرائيل في العديد من المجالات أهمها وأكثرها وضوحاً هي المجالات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية.
من الناحية العسكرية ظلت إسرائيل لفترة طويلة مصدر مهم ورئيسي للمعدات العسكرية والأسلحلة التركية، تفاهم مشترك وصل ذروته بتوقيع اتفاقية تعاون عسكري بين البلدين عام ١٩٩٦، ثم تلى تلك الاتفاقية العديد من عقود شراء السلاح و المناورات الجوية والبحرية والبرية وتبادل العسكريين بين البلدين.
وحظت العلاقات الاقتصادية بإهتمام بالغ خاصة بعد اكتشافات الغاز الأخيرة بمنطقة المتوسط ، وعقود امداد الانابيب بين البلدين لنقل كلا من الغاز والمياه العذبة لإسرائيل . علاقات اقتصادية بين البلدين قُدرت بنحو أربعة مليارات دولار في عام ٢٠١٠ .
لكن ملفات التوتر بين البلدين كانت حاضرة أيضاً على الطاولة ، فبعد وصول حزب العدالة والتنمية الإسلامي لسدة الحكم في تركيا كان المتوقع توتر العلاقات بين البلدين إن لم يكن انقطاعها ، لكن العكس تماماً هو ما حدث فقد زار رئيس الوزراء التركي وقتها رجب طيب أردوغان إسرائيل لجذب مزيد من التعاون والاستثمارات .
لكن هذا الهدوء لم يسُد طويلا فقد توترت العلاقات بين البلدين بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ٢٠٠٨ ، ثم زاد التوتر بعد مشادة كلامية بين أردوغان و بيريز في منتدى دافوس ٢٠٠٩ انسحب على إثرها أردوغان من المنتدى .
بلغ هذا التوتر ذروته بعد اعتراض البحرية الإسرائيلية السفينة التركية ” مافي مرمرة ” التي كانت تحمل مساعدات لقطاع غزة و قُتل وقتها ١٠ نشطاء أتراك في عملية الإنذال التي نفذتها البحرية الإسرائيلية للسيطرة على السفينة ، تلى هذه الحادثة سحب السفراء بين البلدين وطرد الدبلوماسيين .
لكن اعتذار رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في عام ٢٠١٣ عن الواقعة وتعهد بدفع تعويضات لأسر الضحايا بعد عدة سنوات من القطيعة سمح بخفض التوتر بين البلدين .
لكن اللافت أن توتر العلاقات لم يؤثر على حجم التبادل التجاري بينهم .وهكذا تسير العلاقات بين تركيا وإسرائيل منذ أكثر من عقد متعثرة، والسبب المحوري رسميا هو الغضب التركي من سلوك إسرائيل تجاه الفلسطينيين، يقابله اتهام إسرائيلي لعلاقات تركيا الوثيقة مع حماس في غزة .
تركيا تريد التقرب من تل أبيب
بعد فترة فتور طويلة في العلاقات التركية الإسرائيلية خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتصريح في بداية العام الماضي مفاده أن تركيا تريد تقوية علاقاتها بإسرائيل . تصريح حاول به الرئيس التركي فتح منافذ جديدة لتركيا بعض العقوبات الأوربية المفروضة عليها ، ولكسر العزلة التركية في البحر المتوسط . تحديات قوية إقليمية وعالمية تحتاج تركيا فيها لتقوية علاقتها بإسرائيل بدأ الرئيس التركي بإلقاء الحجر في المياه الراكدة بين البلدين تلى ذلك تحركات دبلوماسية واسعة من جانب البلدين .
وفي إطار متصل بالمحاولات التركية لخطب ود تل أبيب فقد أفرجت السلطات التركية عن زوجين إسرائيليين احتجزتهما لمدة أسبوع تقريباً للاشتباه في تجسسهما لصالح إسرائيل .وأجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت اتصالاً بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخميس، شكره فيه على الإفراج عن الزوجين، في أول اتصال على هذا المستوى بين الدولتين منذ عام 2013.
وقد جائت تصريحات مستشار للرئيس التركي بأن إذا خطت تل أبيب خطوة فإن أنقرة ستخطو ألف تجاه تحسين العلاقات بين البلدين ، كما توجت تصريحات الرئيس التركي خلال لقائه بالجالية اليهودية التركية وأعضاء “تحالف الحاخامات في الدول الإسلامية” بشأن الأهمية الحيوية للعلاقات التركية الإسرائيلية بالنسبة لأمن واستقرار المنطقة، مشيرا إلى أن العلاقات بين البلدين تتقدم في المجالات الاقتصادية والتجارية والسياحية على الرغم من اختلاف الرأي حول القضية الفلسطينية. وتهنئته للرئيس الإسرائيلي الجديد بمنصبه الجديد ، كلها علامات واضحة تدل على التوجه التركي لتحسين العلاقات مع إسرائيل لكن لماذا ما الذي ستجنيه تركيا .
أسباب تغيير السياسة التركية تجاه إسرائيل
عانت تركيا في الفترة الأخيرة من تقلبات اقتصادية وهزات مفاجئة تسببت في انهيار سعر صرف الليرة التركية وخسائر كبيرة بالبورصة التركية مما أكد لتركيا ضرورة الحفاظ على حلفائها وعلى رأسهم إسرائيل . فعلاقة أنقرة بتل أبيب إن عندما كانت وطيدة جلبت لها الكثير من المكاسب السياسية فاللوبي اليهودي في الولايات المتحدة وقف بجانب تركيا في عدد من المرات مثل عرقلة صدور تشريع من الكونجروس بعقوبات على تركيا نتيجة الابادة التاريخية للأرمن وغير ذلك من المواقف العديدة . كما جاء غاز البحر المتوسط والاكتشافات الإسرائيلية وغيرها من الاسباب الاقتصادية التي دفعت الجانب التركي إلى توطيد شراكة اقتصادية واستراتيجية مع إسرائيل . فالناظر لتاريخ العلاقات بين البلدين يرى أن الجانب الاقتصادي والتبادل التجاري وحجم التجارة البينية لم يتأثر مطلقاً بالتجاذب السياسي وشكل العلاقات السياسية بينهما .
فقد أُعلن عن خط الأنابيب التركي لڤياثان- مرسين في ديسمبر 2013، وهو مشروع خط أنابيب غاز طبيعي من حقل لفياثان الإسرائيلي، يمتد وصولاً لجنوب تركيا، بتكلفة 2.5 بليون دولار ويمكنه نقل 16 بليون م³ من الغاز يومياً .
ضغوط عديدة أبرزها الضغوطات الاقتصادية التي تعرضت لها تركيا مؤخراً دفعت الساسة في تركيا إلى مغازلة إسرائيل والسعي وراء إعادة العلاقات إلى سابق عهدها ، خاصة وأن تركيا كانت الخاسر الأكبر من هذه التوترات في العلاقات . فالاستثمارات الدولية تربط إمكانية حضورها وفاعليتها في تركيا بعلاقاتها مع إسرائيل، لأن الشركات الصناعية الكُبرى في العالم، بالذات في مجال التقنيات الحديثة، لا تستطيع أن تُغامر في بلد ذي علاقات متوترة مع إسرائيل، التي تُعتبر قطباً في هذه المجالات الصناعية.
كما جاء التراجع التركي الملحوظ عن دعم حركة حماس وقياداتها في الفترة الأخيرة ، واستقبال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في تركيا كممثل للفلسطينين ، خطوة حاولت بها تركيا إرضاء إسرائيل.
كما أن مكانة إسرائيل لدى الإدارات الأميركية المتعاقبة تعد من أهم الدوافع لتركيا ، فالعلاقة الحميمية مع الولايات المُتحدة تمر حتماً عبر إسرائيل.
كذلك القضايا ذات الإهتمام المشترك فتركيا تتوقع خلافاً شديداً مع روسيا في منطقة القوقاز، خاصة بعد انلاع الحرب الأرمنية الأذربيجانية شهدت دعماً عسكرياً ولوجستياً إسرائيلياً وتركياً ل أذربيجان.
خسائر كبيرة تركيا غير مستعدة أن تتكبدها بخسارتها حليفها القوي عبر عقود.
اقرأ أيضا
أين هيبة الدولة اللبنانية.. ومتى تتخلص من حكم الدويلات؟