حكم الزواج بعد الوقوع في الزنا، ورد إلى دار الإفتاء سؤال يقول إن رجلا زنى بامرأة وحملت منه، ثم تزوجها قبل الولادة. فما حكم هذا الولد في المذاهب؟
هل يجوز زواج الزاني من المرأة التي زنا بها؟
ومن جانبها أكدت دار الإفتاء أن الزنا كبيرة من أبشع الذنوب التي توجب التوبة والاستغفار، ولكن ليس من شروط الزواج أن تكون الزوجة لم ترتكب الفاحشة، فتلك معصية كبيرة تحاسب عليها بين يدي الله عز وجل، ولكن ذلك لا يحرم زواجها مطلقا، سواء من الزاني أو من غيره، كما ذهب إليه جماهير العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية، وإنما اشترط المالكية انقضاء العدة بعد الزنا قبل زواجه بها. ينظر “المغني” (7/ 140).
وأما قوله عز وجل: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) النور/3، فقد ذهب الإمام الشافعي رحمه الله إلى أنها منسوخة، ونقل عن سعيد بن المسيب أن الآية منسوخة بقوله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) النور/32، والمسألة فيها خلاف وكلام طويل لأهل العلم، يمكن مراجعته في كتب التفسير وكتب الأحكام.
يقول الإمام الماوردي رحمه الله: “الرجل إذا زنى بامرأة فيحل له أن يتزوجها. وهو قول جمهور الصحابة والفقهاء. ودليلنا قوله تعالى بعد ذكر المحرمات من ذوات الأنساب: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) النساء/24. فكان على عمومه في العفيفة والزانية؛ ولأنه منتشر في الصحابة بالإجماع، وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وابن عمر وابن عباس وجابر، فروي عن أبي بكر رضي الله عنه قال: إذا زنى رجل بامرأة لم يحرم عليه نكاحها. وروي عن عمر رضي الله عنه جلد زانيين الحد، وحرص أن يجمع بينهما. وروي عن ابن عباس: أنه سئل أيتزوج الزاني بالزانية؟ فقال: نعم، لو سرق رجل من كرم عنبا أكان يحرم عليه أن يشتريه، فهذا قول من ذكرنا، ولم يصح عن غيرهم خلافه، فصار إجماعا” انتهى باختصار من “الحاوي الكبير” (9/ 189).
ولا يخفى أن هذا الحكم خاص بتراضي الطرفين، ولا يعفيهما من عقوبة المعصية إذا ثبتت عليهما بالبينة أو الاعتراف، ولكن المقصود بيان صحة زواج كل منهما بعد ذلك، ولا ينبغي أن تكون المعصية سببًا في إغلاق باب الحلال مطلقا، كي لا يكون ذلك سببًا في كثرة الفجور وامتهان الزنا حين يعلم الزاني أنه لا يحل له الزواج بعد ذلك.
الزواج بعد الوقوع في الزنا
وفي كل الأحوال فإن زواج الرجل بمن زنا بها يتم بالتراضي بينهما وبموافقتها وموافقة وليها، ولا يتم رغمًا عنها بحكم القانون لإعفائه من العقوبة، وحق كل منهما أن يرفض ذلك الزواج، أما العقوبة الشرعية فإذا توفرت شروطها فإنها تحل بالزانيين، سواء تزوجا بعد ذلك أم لا.
ومن تزوج بفتاة -مسلمة أو غير مسلمة- وعلم يقينا أنها تقع في الفاحشة الظاهرة بعد زواجه بها، ثم صارحها ولم تتب أو ترتدع، فهذه يجب عليه طلاقها؛ كي لا يدنس عرضه وذريته، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة ديوث) رواه أبو داود الطيالسي.
أما الاغتصاب فهو أعظم جرمًا وأشد خطرًا؛ لما فيه من هتك الحرمات، والتعدي على الطاهرات، ويجب إيقاع العقوبة الرادعة على المغتصب، سواء على سبيل الحد أم على سبيل التعزير، وتزويجه* ممن اغتصبها مكافأة له على جريمته، ولا يقر ذلك عرف ولا شرع ولا قانون.
حكم الزواج بعد الوقوع في الزنا ونسب المولود
ومن جانبها قالت دار الإفتاء إنه يجوز النكاح ويثبت نسب الولد منه إن ولدته بعد عقد النكاح بستة أشهر، فلو ولدته لأقل من ستة أشهر من وقت عقد النكاح لا يثبت نسبه منه إلا إذا ادعاه وأقر بأنه ولده بشرط أن لا يقول إنه من الزنا؛ لأنه إذا صرح بأنه من الزنا لا يثبت نسبه منه في جميع المذاهب.
هل يزول الوزر إذا تزوجت المرأة ممن زنا بها
وأوضح فضيلة الأستاذ الدكتور على جمعة تعقيبًا على السؤال، قائلًا: “الزنا كبيرة من الكبائر يزول وزرهُ بالتوبة منه، وليس من شرط هذه التوبة أن يتزوج الزاني ممن اقترف هذه الجريمة معها، والتوبة تكون بالإقلاع عن هذا الفعل وإبداء الندم وأن تعزم على ألا تعود إليه مرى أخرى، ولا ترتبط التوبة بالزواج، وإن كانت المرؤة تستدعي ستر من أخطأ معها، فإذا تابا وكانا ملائمين للزواج يحسن زواجهما”.
وأشار الدكتور على جمعة إلى العقوبة الشرعية التي تقع على الزاني، قائلًا: “الجلد مئة جلدة إن كان بكرًا، والرجم حتى الموت إن كان محصنًا، أما إذا كان الأمر وقع اغتصابًا، فهنا يجب دفع مهر المثل إلى هذه المرأة يدفعه إليها هذا الغاصب”.
وينبغي لمن وقع في الزنا أن يستر نفسه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله”. رواه الحاكم والبيهقي وصححه الألباني.
ونبه على أن هذا النوع من الجرائم ينشأ – في الغالب – عن تجاوز حدود الله في المخالطة والكلام والخلوة وغير ذلك.
وكانت دار الإفتاء المصرية، ردت على سؤال ورد إليها عبر البوابة الخاصة من أحد السائلين، أراد معرفة هل يزول الوزر إذا تزوجت المرأة ممن زنا بها؟، وجاء محتوى السؤال متضمنًا، “عندما تزني امرأة وتتزوَّج من مَن زَنَى بها، هل يبقى الوزر كما هو أم يزول بمجرد الزواج؟”.
اقرأ أيضا
• ما حكم فريضة الحج لذوى الاحتياجات الخاصة والإعاقات الذهنية؟.. الإفتاء توضح
• ما حكم صلاة الجنازة إذا صلى الإمام وهو على جنابة؟ الإفتاء تجيب