حكم الزواج العرفي بدون شهود، تزوج رجل بامرأة زواجًا عرفيًا بصيغتي الإيجاب والقبول، لكن بدون شهود، ولم يُخبِرَا بذلك أحدًا خوفًا من أن يَعرف أحدٌ من أفراد العائلتين بهذا الزواج، ودخل بها. فهل يصح هذا الزواج شرعًا؟
حكم الزواج العرفي بدون شهود
ومن جانبها قالت دار الإفتاء إنه من المقرر شرعًا أن المعتبر في العقود هو المسميات لا الأسماء، وأن الأحكام تدور على المسميات والمضامين لا على الأسماء والعناوين. والعقود المشروعة متى استوفت أركانها وشروطها وانتفت عنها موانعها كانت صحيحة شرعًا.
ولأجل ذلك كان وَصْف عقد الزواج بالصحة أو النفاذ أو اللزوم، أو البطلان أو الفساد أو الوقف، أو عدم اللزوم وما يترتب على ذلك من آثارٍ إنَّما استُفيدَ من عمل الشرع بناءً على مراعاة أركان العقد وشروطه أو عدم مراعاتها، وعلى هذا الوصف تترتب الحقوق والواجبات، وتختلف الأحكام والآثار والتَّبِعات.
ومن ثَمَّ فإذا عقد الطرفان النكاح من غير إشهارٍ أو إشهادٍ عليه، واتَّفَقَا على كتمانه وعدم إخبارِ أحدٍ به لأيِّ سببٍ من الأسباب، فإن هذا النكاح يُسمى بـ”نكاح السر”، وهو عقد باطلٌ شرعًا؛ لكونه من جنس السِّفاح المُحَرَّم شرعًا، وعلى هذا اتفاق أهل العلم سَلَفًا وخَلَفًا.
والأصل في ذلك قولُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الشريف: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ، وَمَا كَانَ مِنْ نِكَاحٍ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ.. الحديث» أخرجه الإمامان: ابن حِبَّان في “صحيحه” واللفظ له، والبيهقي في “سننه” مِن حديث أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها.
وأخرج الإمام البيهقي في “معرفة السنن والآثار” عن أبي الزُّبَيْرِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أُتِيَ بِنِكَاحٍ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ إِلَّا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ، فَقَالَ: «هَذَا نِكَاحُ السِّرِّ وَلَا أُجِيزُهُ».
وعن طاوس بن كَيْسَان قال: «فَرَّقَ بَيْنَ السِّفَاحِ وَالنِّكَاحِ الشُّهُودُ» أخرجه الإمام عبد الرزاق في “المصنف”.
قال الإمام أبو بكر ابن العَرَبِي في “عارضة الأحوذي”: [النكاح عقدٌ يفتقر إلى إعلانٍ، لا خلاف فيه، ونكاح السر ممنوعٌ لا خلاف فيه] اهـ.
وقال الإمام أبو الوليد ابن رشد في “بداية المجتهد”: [واتفقوا على أنه لا يجوز نكاح السر] اهـ.
وقال الإمام النَّوَوِي في “شرحه على صحيح الإمام مسلم”: [أجمعت الأُمَّة على أنه لو عُقِد سِرًّا بغير شهادةٍ لم ينعقد] اهـ.
وقال الشيخ ابن تَيْمِيَّة في “الفتاوى الكبرى”: [وأما نكاح السر الذي يتواصون بكتمانه ولا يُشهدون عليه أحدًا، فهو باطلٌ عند عامة العلماء، وهو مِن جنس السِّفاح] اهـ.
منافاة نكاح السر لمقاصد الشرع الشريف
إضافة إلى ما سبق، فإن هذا النوع من النكاح يتنافى مع ما قرره الشرع الشريف من مقاصد كلية وأحكام مرعية، فمن ذلك:
مقصد السكن والمودة: النكاح في السر ينافي المقصد الأسمى من النكاح وأهدافه من السَّكن بين الزوجين والرحمة والمَوَدة، والتي وردت في قول الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21].
وجوب الاستبراء للدِّين والعِرض: نكاح السر الذي يكون بغير إشهاد أو إعلان يُعَرِّض كِلَا الزوجين لِرِيبة في الدِّين؛ وذلك من جهة مخالَفة النصوص الشرعية المروية عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والتي دَعَت إلى الإشهاد على النكاح وإعلانه بين الناس وإظهاره وإشهاره.
إهدار الحقوق: نكاح السر بهذه الصورة يُهدر الحقوق، ويُعَرِّض الأنساب للجحود، ويفتح أبواب التلاعب والاحتيال وإنكار الزِّيجات.
بناءً على ذلك، فإن اكتفاء الرجل والمرأة المذكورين في زواجهما العرفي بصيغتي الإيجاب والقبول، مع عدم إخبار أحدٍ به، وعدم الإشهاد عليه، يُعد مُحَرَّمًا وغير صحيح شرعًا، ويجب عليهما أن يَفْتَرِقَا.