الشيخ محمد رفعت.. قيثارة السماء الذي أوتي مزمارًا من مزامير داود، صاحب الصوت الجميل ذي البصمة التي قلما تتكرر، والأسلوب الفريد والمميز في تلاوة القرآن، فكان يتلوه بتدبر وخشوع يجعل سامعه يعيش معانيه بكل جوارحه ويؤثر في مستمعيه وكان يعلم متى يبكيهم، ومتى يبهجهم من خلال آيات الترغيب والترهيب في كتاب الله عز وجل.
ذكرى ميلاد ووفاة محمد رفعت
تحل اليوم ذكرى ميلاد ووفاة، الشيخ محمد رفعت، حيث ولد بالقاهرة في يوم الإثنين 9 مايو عام 1882 و رحل أيضا في نفس اليوم والشهر عام 1950 عن عمر يناهز68 عامًا وفقد بصره في الـثانية من عمره، وانهار والده حزنًا عليه.
ولد الشيخ محمد رفعت، بحي المغربلين في منطقة الدرب الأحمر بالقاهرة عام 1882، وكان كل شيء في حياته ينذر بأنه لن يكون شخصًا عاديًا، اختار له والده اسم مركب ليكون «محمد رفعت» حتى إن الأب ذو اسم مركب «محمود رفعت» فهو اسمه بالكامل الشيخ محمد رفعت بن محمود رفعت بن محمد رفعت، فكان اسمه واسم ابيه وجده كلها أسماء مركبة.
عندما فقد ابنه بصره وهو في الصغر حيث لم يكمل عامه الثاني بعد، انهار والده حزنًا عليه، لكنه سرعان ما لملم شتاته، وأخذ إلى مسار الحياة الطبيعي، ليلتحق بالكتاب المجاور للمنزل لحفظ القرآن الكريم.
بدأ حفظ القرآن في سن الخامسة، عندما أدخله والده كُتّاب بشتاك الملحق بمسجد فاضل باشا بدرب الجماميز بالسيدة زينب وكان معلمه الأول الشيخ محمد حميدة وأكمل القرآن حفظا ومجموعة من الأحاديث النبوية، بعد ست سنوات شعر شيخه أنه مميز، وبدأ يرشحه لإحياء الليالي في الأماكن المجاورة القريبة. ودرس علم القراءات والتجويد لمدة عامين على الشيخ عبد الفتاح هنيدي صاحب أعلى سند في وقته ونال اجازته. توفي والده محمود رفعت والذي كان يعمل مأموراً بقسم شرطة الجمالية وهو في التاسعة من عمره فوجد الطفل اليتيم نفسه مسئولاً عن أسرته المؤلفة من والدته وخالته واخته واخيه «محرم» وأصبح عائلها الوحيد بعد أن كانت النية متجهة إلى الحاقه للدراسة في الأزهر، بدأ وهو في الرابعة عشر يحيي بعض الليالي في القاهرة بترتيل القرآن الكريم، وبعدها صار يدعى لترتيل القرآن في الأقاليم.
قصة الشيخ رفعت مع الإذاعة المصرية والبي بي سي البريطانية
تولى القراءة بمسجد فاضل باشا بحي السيدة زينب سنة 1918م حيث عين قارئا للسورة وهو في سن الخامسة عشرة، فبلغ شهرة ونال محبة الناس، وحرص النحاس باشا والملك فاروق على سماعه.
واستمر يقرأ في المسجد حتى اعتزاله من باب الوفاء للمسجد الذي شهد ميلاده في عالم القراءة منذ الصغر. وافتتح بث الإذاعة المصرية سنة 1934م، وذلك بعد أن استفتى شيخ الأزهر محمد الأحمدي الظواهري عن جواز إذاعة القرآن الكريم فأفتى له بجواز ذلك فافتتحها بآية من أول سورة الفتح (إنا فتحنا لك فتحا مبينا).
ولما سمعت الإذاعة البريطانية بي بي سي العربية صوته أرسلت إليه وطلبت منه تسجيل القرآن، فرفض ظنا منه أنه حرام لأنهم غير مسلمين، فاستفتى الإمام المراغي فشرح له الأمر وأخبره بأنه غير حرام، فسجل لهم سورة مريم.
زكريا باشا مهران وتسجيلات نادرة
عاشت تسجيلات الشيخ محمد رفعت معنا حتى اليوم بفضل أحد أكبر محبيه وهو زكريا باشا مهران أحد أعيان مركز القوصية في أسيوط وعضو مجلس الشيوخ المصري، والذي يعود له الفضل في حفظ تراث الشيخ رفعت الذي نسمعه حاليا، وكان يحب الشيخ رفعت دون أن يلتقي به، وحرص على تسجيل حفلاته التي كانت تذيعها الإذاعة المصرية على الهواء واشترى لذلك اثنين من أجهزة الجرامافون من ألمانيا، وعندما علم بمرض الشيخ رفعت أسرع إلى الإذاعة حاملاً إحدى هذه الأسطوانات، وطلب من مسؤولي الإذاعة عمل معاش للشيخ رفعت مدى الحياة، وبالفعل خصصت الإذاعة مبلغ 10 جنيهات معاش شهري للشيخ رفعت، ولكن الشيخ توفي قبل أن يتسلمه.
وتبرعت عائلة زكريا باشا بالأسطوانات لكي تنشر وقد حصل عليها ورثة الشيخ محمد رفعت بعد وفاة زكريا باشا مهران من زوجته ”زينب هانم مبارك” فلولا هذه التسجيلات لفقد تراثه الا من 3 تسجيلات تحتفظ بها الإذاعة، ولم تكن لتلك الاسطوانات أثرها في حياة الشيخ فقط بل ”زكريا باشا” المحب الذي سجل دون معرفة شخصية أو رؤية لـ”رفعت”، وقالت زوجة زكريا باشا: برغم نشاطات زوجي زكريا باشا نوران في الاقتصاد والمحاماة والسياسة والتأليف إلا أن اسمه لم يذكر إلا مقروناً بأنه الذي سجل مجموعة من تسجيلات الشيخ محمد رفعت.
كان زاهداً صوفي النزعة نقشبندي الطريقة يميل للناس الفقراء البسطاء أكثر من مخالطة الأغنياء فقد أحيا يوماً مناسبة لجارته الفقيرة مفضلاً إياها على الذهاب لإحياء الذكرى السنوية لوفاة الملك فؤاد والد الملك فاروق.
ابتهالات نادرة بصوت الشيخ رفعت
انفرد الشيخ محمد رفعت بتعلمه للموسيقى الغربية، لتمنحه طاقة صوتية غير عادية، ليتهافت عليه أصحاب السهرات، والمناسبات الدينية، والأفراح والمآتم، وكان من التقليد في هذه المناسبات أن يقوم القارئ بتلاوة القرآن الكريم إلى جانب تقديم الابتهالات، وهو ما التزم به الشيخ رفعت في بداياته، وكان من أبرز الابتهالات التي شدا بها قصائد غزل قدمها مشاهير الطرب وقتها باعتبارها «أغان رومانسية» لكنه جعل منها ابتهالات ربانية تعلقت بها عقول وقلوب محبيه ونال عن أدائه لها عظيم الثناء.
وفاجأت الإذاعة جماهيرها، بالانفراد بإذاعة تسجيلين للشيخ محمد رفعت، وجري إذاعتهما باعتبارهما من التسجيلات النادرة التي يشدو فيها الشيخ رفعت بالابتهالات الدينية، لكنها لم تكرر إذاعتهما اتقاءً لشبهة أن تتسبب للشيخ في حرج بعدما تبين أن كلمات الابتهالين جزء من قصيدتي غزل مسجلين على أسطوانات لمطربين شهيرين.
جاءت الأغنية الأولى للمطرب المصري عبدالحي حلمي، وكلماتها «عمري عليك تشوقا قضيته/ وعزيز صبري في هواك أهنته/ وجعلت أبذل فيك در مدامعي/ حتى افتقرت إلى العقيق بذلته/ فيا ليت لي قلبا أقول ملكته/ ويا ليت لي صبرا» والكلمات جزء من قصيدة «القلب المتيم» للشاعر أحمد بن محمد شهاب الدين العلواني.
سرطان الحنجرة
أصابت حنجرة الشيخ محمد رفعت في عام 1943م زغطة أو فواق تقطع عليه تلاوته، فتوقف عن القراءة. وقد سبب الزغطة ورمٌ في حنجرته يُعتقد أنه سرطان الحنجرة، صرف عليه ما يملك حتى افتقر لكنه لم يمد يده إلى أحد، حتى أنه اعتذر عن قبول المبلغ الذي جمع في اكتتاب (بحدود خمسين ألف جنيه) لعلاجه على رغم أنه لم يكن يملك تكاليف العلاج، وكان جوابه كلمته المشهورة «إن قارئ القرآن لا يهان».
فارق الشيخ الحياة في 9 مايو عام 1950م وكان حلمه أن يُدفن بجوار مسجد السيدة نفيسة حتى تقرر منحه قطعة أرض بجوار المسجد فقام ببناء مدفنه عليه، وقد كان من عادته أن يذهب كل يوم اثنين أمام المدفن ليقرأ ما تيسر من آيات الذكر الحكيم.
محافظة القاهرة تعلن إزالة مقبرة الشيخ رفعت
وتزامنا مع ذكراه، ميلاد ووفاة، أعلنت إدارة الجبانات بمحافظة القاهرة، قرارا بشأن إزالات المقابر التي تتم لصالح المنفعة العامة في جميع مناطق الجبانات الداخلة في الإزالة ضمن محور صلاح سالم.
وتسلمت أسرة الشيخ محمد رفعت قرارا بشأن إزالة المقبرة، والذي جاء فيه أنه بشأن الإزالات التي تتم لصالح المنفعة العامة في جميع مناطق الجبانات الداخلة في الإزالة ضمت أعمال محور صلاح سالم والتي تشتمل على مناطق جبانات: (السيدة نفيسة القديمة والجديدة والإمام الشافعي والطحاوية وسيدي جلال وباب الوزير والمجاورين وسيدي عمر).
أسرة الشيخ محمد رفعت تفجر مفاجأة بشأن جثمانه.
علقت هناء حسين محمد رفعت، حفيدة الشيخ محمد رفعت على قرار إزالة مقبرته بمنطقة مقابر السيدة نفيسة وتسلم الأسرة قرار من محافظة القاهرة بنقل رفاة الشيخ.
وقالت حفيدة الشيخ محمد رفعت، في تصريحات صحفية تلقينا الخطاب من محافظة القاهرة وبه قرار من إدارة الجبانات بهدم المقبرة.
وأضافت حفيدة الشيخ محمد رفعت: الشيخ مدفون في لحد والأرض لم تأكل جثمانه، وياريت اللي حصل مع مقبرة عميد الأدب العربي طه حسين يحصل معانا.
ويمكن متابعة أحدث أخبار الأزهر الشريف عبر موقعه الرسمي من هذا الرابط